حســن البطــل

2015-12-09


تحرّر من احتلال شعبه له

بقلم: *حســن البطــل

الحال للمضارع، وللفعل ثلاثة أزمنة، و"للزعيم غير المألوف"، حسب تعبير الرئيسين الأميركي والصيني، أن يرفع الماضي للمضارع، والمضارع للمستقبل.

الرئاسة مضارعة، وللحدث الماضي ذيوله في المضارع والآني.. وللقائد غير المألوف، أن يضيف ماضي المقاتل الى مضارع القائد، ومضارع رئيس اللجنة التنفيذية والسلطة الفلسطينية الى مشارف رئيس دولة فلسطين.

في الحال الماضية، والمضارعة، أن الشعب جمع أشتات، والسلطة كذلك. حياتنا وموتنا أشتات، وهو كبيرنا في شتات حياته وموته.. أيضاً. هكذا يتجمع الماء من شتات قطرات.

إنه رئيس الشتات والأشتات الماضية والمضارعة.. لكن فلسطين ماضي الرسالات، ومضارع حركات التحرر.. ومستقبل السلام العادل.

ما هي صفات الرجل -الزعيم- الرئيس غير المألوف؟ أن يحضر في اللحظة الحرجة؟ يملأ الزمن الحرج؟ يغيب في اللحظة الحرجة من عمره، من حياة شعبه، من مضارع عالمي حرج؟

في لحظة الانتقال من عام الى عام، بين نهاية العام 1964 وبداية 1965، طرق الفلسطينيون باب نسيان العالم لهم. دخلوه.. وأدخلوه الى زمنهم المضارع. فعل فلسطيني عمد.

في العقد الأخير من القرن المنصرم، بدأ العالم يستشرف مئوية جديدة، ألفية ثالثة. استدعت حواسيبه لحل "المشكلة الصفرية" حتى لا نعود بالعالم الى العام 1900. هنا على هذه الأرض ولد التاريخ الميلادي.

كان الفلسطينيون اجتازوا "صفر الغياب" الى رقم الحضور. كان مضارع السلطة يتأهب الى آني الدولة. في الصيف الأخير من العام الأخير من المئوية الأخيرة للألفية، حاولوا أن يصطنعوا تاريخاً سياسياً يلائم أيضاً الانتقال في التاريخ. حاولوا تقليد ساعة الميلاد الفلسطيني الجديد.

سنتأمل الارتباك البروتوكولي على بوابة كلينتون تأملاً رمزياً. أن يدخل باراك (الاحتلال) في الماضي أولاً، أو يدخل عرفات (الاستقلال) في الآتي؟

هل صدفة، قدراً، ديالكتيكاً، أن تقرع فلسطين بوابة مئوية وألفية جديدتين قرعاً جديداً، انتفاضة جديدة؟ سيقولون ما يقولون الآن عن زلتنا خارج سراط اللحظة الحرجة واللحظة التاريخية. سنقول مانقوله: خطوة للوراء لخطوات للأمام. هذا هو عرفات: مَن يصنع التاريخ يخاف التاريخ.

سندخل، مرة أخرى، امتحان الفوضى، لأن ترتيب أزمنة الفعل كان مريباً. سيكون بعض الثمن أن رئيس فلسطين لن يعود "الفلسطيني الطائر". سيكون أشهر سجين في أصغر سجن. غرفتان في المقاطعة، هما "المنطقة ألف" السيادية.

الحائط الأخير هو في المقاطعة. المتر الأخير حائط الغرفتين. القلعة خرائب المقاطعة. "الكوريدور" المعلق "ممر الماراثون".. وأخيراً، "خندقه قبره".

نحن الذين أدمنا الجرح، أدمنا الأمل.. والشعر "آه، يا جرحي المكابر". وفي أول الغياب "آه، ابتسامة المكابر". لجرحنا أزمنة الماضي المضارع. لفرحنا زمان آتٍ. "عيدنا عودتنا"؟ "دولتنا عيدنا"؟.. لكن، وكما في التراجيديات الفذة لقادة غير مألوفين يحضرون ويغيبون في "اللحظة الحرجة"، ستحضر الانتفاضة في الزمن الحرج، وسيغيب الرئيس في الزمن الحرج. سندفنه في الزمن التراجيدي الحرج. سنذهب في العيد الى "القبر الطري". من مألوفنا زيارة قبورنا في أعيادنا. هل تركنا جداراً بلا عبارة: "الشهيد البطل"؟

لم نضحك كثيراً لولادة سلطة بدت "مشبوهة" من رحم ثورة لا شبيه لها. سلطة لا شبيه لها لا تلد دولة تثير من حولها شبهة الدولة. الزمان الاسلامي توالدي الأزمنة. مواقيت شهوره وأعوامه دائرية - توالدية. مع القهوة المرّة في العيد المرّ سيكون "الغياب" حاضراً.

كان رئيساً غير مألوف، لأن قضية شعبه غير مألوفة، لأن نضاله ونضال شعبه غير مألوفين، لأن عدونا غير مألوف.. وبماذا، إذاً، نفاجئ العالم؟ بمألوفنا غير المألوف. الآن، سيقرأون مألوف النظام الداخلي للحركة، للمنظمة، للسلطة.

هل حرّر فلسطين من الغياب؟ نعم. هل حرّر الفلسطينيين من الاحتلال؟ حرّر أرواحهم الحرّة.. هل تحرر من احتلال شعبه له؟!

هذه هي القصة: اسرائيل احتلت فلسطين، وفلسطين احتلت الفلسطينيين.. الذين احتلوا قائدهم. سيكون غيابه حاضراً في حرية فلسطين.


*("الايام" الفلسطينية 12/11/2004)