نلسون مانديلا

2015-12-09


(عرفات نقل قضية شعبه من قضية لاجئين إلى قضية أمة)

 

"كنت أتابع نشاطات الرئيس ياسر عرفات من غياهب سجني، وكم أثار اهتمامي بثباته ومثابرته. لقد آمن به شعبه وسار معه خطوة بخطوة، في السراء كما في الضراء.... فهو الذي وضع المسألة الفلسطينية على جدول أعمال المجتمع الدولي، ونقل قضية شعبه من قضية لاجئين إلى قضية أمة بكامل المعنى.....لقد كانت حماسته وثقته لا تتزعزع، والتزامه بالكفاح من أجل إقامة الدولة الفلسطينية تشكل قيما رمزية في نظر الكثيرين في العالم..... سوف يبقى الرئيس عرفات إلى الأبد رمزا للبطولة بالنسبة لكل شعوب العالم التي تكافح من أجل العدالة والحرية".


وهناك أنواع من النضال المميز من أجل الحرية تأسر اهتمام العالم ووجدانه بطريقة فعالة وعلى نحو شديد الوضوح.ويندرج النضال الأخاذ الذي يخوضه الشعب الفلسطيني من أجل استقلاله السياسي وتقرير مصيره ضمن هذه الأنواع .إذ ليس لأي من عشاق الحرية في العالم إلا أن يتعاطف ،بعمق،مع معاناة أبناء شعب هجروا من وطنهم ،وشتتوا في أرجاء العالم العربيس ةالعالم باسره،وتركت اجيال متعاقبة منهم تعاني محنة النشوء في مخيمات للاجئين،أو في اراض محتلة يعانون فيها نير احتلال يستهدفهم بقهر وقمع متواصلين .وقد كان لاتقاد جذوة النضال الوطني ،والوفاء الدائم للعهد،اللذين حفظا للشعب الفلسطينيمثله العليا ورسخا حلمه في العودة إلى وطن فلسطيني حر ومستقل ،أن يلهما الشعوب على امتداد العالم.


هذه الأنواع من النضال البطولي إنما هي ،دائما،نتاج جهد جماعي تبذله الملايين من الرجال والنساء المستعدين للتضحية من اجل غايات مشتركة نبيلة ،ففي جميع أنواع النضال الناجح،تحشد طاقات الناس جميعا في إطار منظمة قادرة على قيادة الشعب ،والتعبيلر عن إرادة الجماهير.


وغالبا ما تجد هذه الجهود تجليها الصادق،او تعبيرها الإلهامي الحصيف،في شخصيات قيادية شديدة التميز،تمثل روح الشعب الذي لايقهر،وتقف شامخة ضمن قيادة جماعية تراس منظمة الشعب .وقد حظي الشعب الفلسطيني،على نحو خاص،بالقيادة الجماعية لمنظمة التحرير الفلسطينية ،وعلى رأسها رجل يتمتع بمقدرة قيادية،ومنزلة عالية،وحكمة ومثابرة وإخلاص،هو ياسر عرفات.


نشأ ياسر عرفات ليكون واحدا من رموز النضال المميزة والفريدة في النصف الثاني من القرن العشرين،ومكنه التزامه المثابر الصلب من قيادة النضال تحت شروط جديدة ذات متطالبات متغيرة، ومن العبور بهذا النضال إلى القرن الحالي .لقد كرس ياسر عرفات حياته كلها لقيادة نضال شعبه ،ولاقامة الدولة الفلسطينيةالمستقلة..ذلك الهدف الذي تعلق بهالشعب الفلسطيني.وعلى امتداد المسافة من ساحات المعالرك في بيروت الى مروج البيت الابيض،عرف ياسر عرفات قائدا محاربا شجاعا،يتقدم الصفوف في ساحات الوغى،وفي صنع السلام.


لقد ابدى ياسر عرفات شجاعة نادرة في مواجهة أدق ظروف الاختبار التي يمكنلمناضل من أجل الحرية أن يواجهها،ولا يأتي هذا الاختبار في ساحة المعركة بقدر ما ياتي حين يواجه المرء بتحدي التنتزل من أجل السلام ،ومن أجل وجود شعبه،ورفاهيته بعيدة المدى.وهنا أيضا ،نستطيع أن نقول إن ياسر عرفات قد اثبت نفسه ،ليس فقط كمحارب عظيم في ساحة المعركة ،وإنما أيضا،وبالقدر نفسه ،كرجل دولة عظيم في البحث عن السلام.


وعلى غرار كل الشخصيات التاريخيةالعظيمة،يتمتع ياسرعرفات بشخصية تجمع شخصيات عديدة في إهاب ذات انسانيةمتكاملة:عرفات المقاتل من أجل الحرية..عرفات رجل الدولةوعرفات الحائز على جائزة نوبل.ومع ذلك،فإن ضلوعهتحتضن قلب إنسان بسيط يحمل ،بإخلاصعميق تطلعات الشعب الفلسطيني وآماله.


وإنه لشرف لي أن أحيي أخا،ورفيقافي النضال من أجل الحرية،ووطنياعظيمامحبا لوطنه.ودعونا نأمل في أن يكون يوم إقامة الدولة الفلسطينية،وانعتاق الشعب الفلسطيني،قد صارفي متناول اليد،موشكاعلى التحقق.

 *الزعيم الوطني في جنوب افريقيا ، رئيس جنوب افريقيا (سابقا)

مقدمة كتاب "عرفات متى لم يكون هنا" تأليف نانسي دوبرو ، الطبعة العربية الاولى ، لمؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت 2003