فاروق القدومي

2015-12-09


هو أبو عمار رفيق الدرب

بقلم:فاروق القدومي*

هو الذي سار في موكب الحق منذ نعومة أظافره يسعى ويناضل ويدعو الله عزّ وجلّ أن يعيد الحق لأصحابه والأرض لمالكيها. حيث في غفلة من الزمن تمكّن طغاة البشر وشذّاذ الآفاق بدعم الدول الاستعمارية من تشريدهم، فاحتلوا أرضهم وسلبوا ممتلكاتهم وأقاموا فيها ظلما وجوراً، فاستولوا على فلسطين، أرض الأباء والأجداد، وأقاموا المستعمرات الصهيونية وبنوا الجدران العنصرية الفاصلة، ونصبوا الحواجز وأحكموا الحصار والإغلاق، فأصبح شعبنا يعيش في سجن كبير من لاجئين داخل الأرض ولاجئين في المنافي والشتات.

غادرنا وروحه الحائمة في سماء فلسطين تشكو ظلم الظالمين، من مغتصبين ومتآمرين على الشعب والقضية.

هو القائد المفجّر لأطول ثورات التحرّر في العصر الحديث، هو .. هو ... الشهيد، ياسر عرفات، أبو عمار، القائد العام لثورة الفاتح من يناير عام 1965.

عندما نطق بكلمة السرّ "حتى يغيب القمر"، أعلنت فتح ثورتها وانطلقت عاصفتها لتدق أول مسمار في نعش الوجود الإسرائيلي، وتناقلت صحف العالم نبأ ثورة أبناء المخيمات، ثورة اللاجئين، ثورة تحمل رايات التحرير والعودة لتقضي على التشرد والشتات.

وتمر الأيام وتستمر المسيرة يا رفيق الدرب، ويتعرّض أبطال الفتح للرصاص الغادر من خلف الحدود، ونخرج من الحصار بمزيد من الإصرار والعناد، ونواجه صوراً من الرفض والعدوان، ويصدح صوت القائد القومي الكبير الزعيم الخالد جمال عبد الناصر بالقول :" إن الثورة الفلسطينية أنبل ظاهرة في التاريخ المعاصر لأمتنا العربية".

كم من الطعنات تلقينا من هنا وهناك، كم من المؤامرات حيكت لنا من كل حدب وصوب، لكننا لم نستكن ولم نيأس، فكل شهيد يسقط، يدق مسمارا في نعش الاغتصاب والاحتلال الاسرائيلي ويتمتم وهو راحل مع زغاريد امهات فلسطين الثكالى:


وظلم ذوي القربى أشد مضاضة

على الحر من وقع الحسام المهند

هي .. هي ... يا رفيق الدرب، يا أبا عمار صورة الحاضر والماضي، ثورة يحاصرها العدو ويغلق عليها الأبواب، وأعوان يسرحون ويمرحون ويدعون إلى الخلاص بالتسليم بالأمر الواقع، ورجال هناك في عرائنهم يمسكون بالبنادق، أقسموا أن يتابعوا مسيرتك ويستمروا في الانتفاضة، لا يهابون الموت، ويرددون ما قاله شاعرنا الشهيد عبد الرحيم محمود:


سأحمل روحي على راحتي                     وألقي بها في مهاوي الردى

شهداء يا أخي يسقطون كل ساعة، ومن خلفهم أشبال يلتقطون بنادقهم ليتابعوا المسيرة بشجاعة وإيمان بالحق.

هذا في ساحة الشرق العربي، يا رفيقي، غزاة وحروب وإحتلال وضغوط، ولكن الأمر يستعصي عليهم.

أتسمع معي يا أخي أناشيد الجماهير بألحان الانتفاضة والمقاومة والشعب يطرب لكل ما يسمع من ألحان الصمود والتصدي ولعلعة الرصاص.

يسألوننا كل يوم، أصحيح أن قائد الثورة قد مضى واستشهد، ولم يعد هناك في المقاطعة ياسر أو أبو عمّار، يستقبل الجماهير والزوار؟

يتساءل شعبنا، أين أبا عمّار، أين المناضل الذي عاش معنا وعشنا معه، هل غاب عنا، وهل صحيح أننا لن نراه بعد اليوم؟! 

هل اختفت تلك اليد السخية وتوقفت عن العطاء؟ ها هم يصرخون من اعماقهم كلما شاهدوك رمزا أو صورة ليس غيرك من يعيش بأذهانهم سيرة أو صدى، كلمة أو نشيدا، هو أنت يا ابن الفتح، وأبا العاصفة، أنت .. أنت الثائر وأنت القائد الرمز.

نم قرير العين واهنأ، فلقد تركت خلفك رجالا رفاقاً وأشبالاً أسودا تربوا في كنفك وفي زمانك، فلن تلين لهم قناة، فكل ثائر ومقاوم يحمل في قلبه صورة ياسر، صوة يشدّ بها عزيمته، ويقوّي روح النضال والتضحية في نفسه، فاهنأ يا رفيق الدرب مع رفاقنا الأوائل الذين سبقوك إلى جنة الخلد، إن سألوك يا رفيق دربي، من دسّ السم في طعامك؟ هل هو شارون العدو القبيح، ام أعوانه وموالوه.

أنت يا أخي من تمنى الشهادة، وسعى إليها، وكنت دوماً تردد: شهيدا ... شهيدا ... شهيدا، فنلت ما طلبت، وسوف ننجز وصيتك وننقل جثمانك الطاهر إلى القدس يوم أن يرفع شبل من أشبالك أو زهرة من زهرات شعبك العلم الفلسطيني على مآذن وكنائس القدس الشريف، فاهنأ بمثواك الأخير مع الأنبياء والصديقين، والشهداء، وعليك الرحمة والسلام.

*أمين سر اللجنة المركزية  لحركة فتح

العدد 17من نشرة "افاق " عدد خاص ،التوجيه الوطني السياسي 11/11/2005