عزام توفيق أبو السعود

2015-12-09


ياسر عرفات : الميلاد والمسيرة على طريق القدس

بقلم:عزام توفيق أبو السعود*

في هذا اليوم ، الذي نقف فيه لنؤدي واجب الوفاء ، لرجل قاد هذه الأمة ، ورحل وهو يكافح من أجلها ، وترك بصماته على تاريخها ..  وفي مجال استعراض حياة هذا القائد المناضل ، فلا بد أن نبدأ من البداية ، المولد .. والطفولة .. وبداية الشباب ... وهي مرحلة هامة من حياة أي انسان ، فكيف بها مع هذا الإنسان العظيم ، الذي نستعرض اليوم سيرته ، أجل .. لقد  كان للمولد والطفولة  ولأحداثها وذكرياتها ، آثارا واضحة في تكوين شخصية الراحل ياسر عرفات  ، وحقلا خصبا لنمو الاتجاهات الوطنية والدينية ، وتمهيدا لبروز نزعة القيادة والزعامة في تلك الشخصية .

في وسط أحداث ثورة البراق عام 1929 ، وفي الزاوية الفخرية ، زاوية آل أبو السعود ، وفي تلك الغرفة الواسعة ، ذات القبة الكبيرة ، والملاصقة للحرم القدسي الشريف من الجهة الجنوبية الغربية ،  والمطلة نافذتيها الشرقيتين على المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة ،  والمطلة نافذتيها الشماليتين على حائط البراق ، كان مولد هذا الطفل ، الذي سمته أمه " ياسر " وفاء لاتفاق مع ابنة عمها على تسمية طفليهما بهذا الاسم .

كثيرة هي التقارير التي بثتها الإذاعات وشبكات التلفاز عن حياة فقيد الأمة ياسر عرفات ، وفي تأريخهم المبكر لولادة عرفات ، هناك أخطاء كثيرة ، او نوع من اللبس والغموض ، حول مكان ولادته . لقد  كانت والدتي ، ابنة عم المرحومة زهوة أبو السعود ، وكانت الخالة " أم محمد الإمام " ابنة عمة الراحل  ياسر عرفات ، تحدثانا في ليالي الشتاء  الباردة بعض القصص العائلية ، وأود هنا أن أذكر بعضا من " حواديت " الشتاء ، فبالرغم من  أن هذه القصص هي قصص عائلية خاصة ، إلا أنها توضح كثيرا من التاريخ المبكر لهذا الرجل :

كانت الصديقتان  الحميمتان والجارتان من بنات العم ، زهوة وهيبة ، وكلاهما حامل وتسكنان في الزاوية الفخرية ، زاوية آل أبو السعود في الجهة الجنوبية الغربية من الحرم القدسي الشريف ، قد تعاهدتا إذا رزقهن الله بصبي أن يسميانه ياسر ، وتتطابق أمنياتهما فرزقتا ، وخلال أسبوع واحد بصبيين ، هما ياسر أبو السعود وياسر عرفات ، أما صديقتهما الثالثة والدتي ، فقد أنجبت شقيقتي فاطمة بعدهما بعشرين يوما ، في نفس العام الذي تفجرت فيه ثورة البراق ، عام 1929 ، تلك الثورة التي كان خطيبها المفوه هو الشيخ حسن أبو السعود ، مفتي الشافعية في فلسطين ، ومفتش المحاكم الشرعية ، وأحد مؤسسي مدرسة روضة المعارف بالقدس ، وعضو الهيئة العربية العليا، وصديق الحاج أمين الحسيني الحميم .

كانت زهوة أبو السعود ، " أم جمال "  ، قد حضرت إلى القدس  من القاهرة لتضع مولودها بين أهلها ، تمشيا مع العادة التي كانت سائدة في تلك الأيام ، ذلك أنها كانت تشعر بالغربة في مصر ، منذ انتقلت للعيش هناك مع زوجها " عبد الرؤوف عرفات القدوة ، قبل عدة سنوات ، وبعد أن باع زوجها دكانا لبيع الحبوب في خان الزيت بالبلدة القديمة من القدس ، وذهب إلى القاهرة لمتابعة حقوق إرثية آلت إليه من ريع " وقف الدمرداش " أحد أكبر أوقاف مصر والذي تشمل اراضيه معظم منطقة العباسية في القاهرة ، حيث أصبح متوليا على هذا الوقف ، بعد أن بدأ يعمل في تجارة القطن في مصر .

كانت زهوة " أم جمال " تأتي كل صيف إلى القدس وتقيم مع أطفالها في بيت شقيقها سليم  في الزاوية الفخرية  ( زاوية ابو السعود) _ التي تعود إلى نهاية عصر الأيوبيين وبداية العصر المملوكي_ وقد أنجبت في الزاوية كلا من ياسر وفتحي ، وكانت قد سكنت  بعد زواجها ، وقبل سفر عبد الرؤوف القدوة  إلى مصر، في منطقة الميلوية  في حارة السعدية ،  وفي الواد ، وهما من أحياء البلدة القديمة من القدس حيث أنجبت في هذين المنزليين كل من جمال وانعام ومصطفى ويسرى  وخديجة ، وبعد رحيل الاسرة الى القاهرة استمرت زهوة في قضاء  صيف كل عام في القدس  ، هي وأطفالها وبينهم ياسر عرفات ، في زاوية أبو السعود ، وفي بيت شقيقها سليم ،  يعيشون إلى جوار المسجد الأقصى ، يلهون في ساحاته ، وأروقته و " لواوينه " ومصاطبه .

عام 1933 ، كما يبدو كان عاما سيئا لتجارة والده ، أما عام 34 فقد توفيت به زهوة في القاهرة بعد عدة أشهر من عودتها من القدس بعد ولادتها لابنها فتحي ، وذهب سليم ( شقيق زهوة )  وراجي أبو السعود ( ابن أخت عبد الرؤوف عرفات القدوة ) إلى القاهرة لحضور العزاء ، وعادا من هناك الى القدس ومعهما الطفلين ياسر وفتحي ، ليرعاهما خالهما  " سليم "  ، وابن عمتهما " راجي " اللذين لم يكن الله قد رزقهما أطفالا ، بينما بقي جمال ومصطفى وانعام ويسرى وخديجة في القاهرة مع والدهم .

عاش ياسر وفتحي أكثر من سنتين في رعاية خالهما سليم ، كانا يلعبان مع أبناء العائلة ، وكان ملعبهم ساحات الحرم الشريف ، تربيا في ظل عائلة كانت منشغلة بالسياسة في تلك الأيام ، فقد برز الدور السياسي للشيخ حسن أبو السعود ، مفجر ثورة البراق ، وأحد المقربين إلى المفتي الحاج أمين الحسيني ، كما  برز دور الدكتور حسام أبو السعود كأحد أقطاب المعارضة التي تزعمها راغب النشاشيبي ، وكانت أحاديث وخلافات " المجلسيين والمعارضة " أو "الطربوش والحطة والعقال "، هي محور ما يسمعه الأطفال فيرسخ في ذهنهم ،  حتى بدأ إضراب عام 1936 ، ذلك الإضراب ، أو ثورة 36 كما يسميه البعض أضاف إلى " قاموس الأطفال " تعابير جديدة وأشياء كثيرة وذكريات أكثر . لكن هذا الإضراب ، أدى إلى توقف كافة الأعمال ، وانقطاع عمل ودخل الكثير من الناس ، وبينهم خال الأطفال ، مما حدا بعبد الرؤوف القدوة إلى استعادة طفليه من القدس ، بسبب الإضراب أولا ، ثم بسبب قرب فتح المدارس ، إذ كان سن ياسر عرفات قد وصل إلى سبع سنوات وهو سن الالتحاق بالصف الأول الابتدائي ، وحيث أن دخول المدرسة يستدعي شهادة ميلاد للطفل ، ولصعوبة إحضار شهادة ميلاد من القدس بسبب الإضراب ، فقد استصدر " أبو جمال " شهادة ميلاد لياسر من القاهرة ، وهذه نقطة هامة أردت توضيحها ، وهي سبب استصدار شهادة ولادة من القاهرة ، فدخول المدرسة لياسر عرفات كان أيسر ، بوجود  شهادة ميلاد صادرة من القاهرة .

يذكر أبناء جيل عرفات ، أن عرفات قضى الفترة من 1942-1944 في الزاوية  ، وأنهم يذكرون الخيمة التي نصبها قرب باب الزاوية وهو ولد ابن ثلاثة عشر عاما ، كان محور اللعب داخل الخيمة ، هو لعبة العسكر ، ووضع الخطط العسكرية ، والهجوم على مواقع العدو ، كانت خططهم هذه تحدد حسب مواقع في ساحات الأقصى ، كالمهد أو توما توما ، أو كبئر أو سبيل أو عمود رخامي  أو قبة في الساحة .  ، كان يلعب مع الصبية لكنه يجب أن يكون دوما هو القائد في اللعب ،  بالطبع كانت الفترة هي فترة الحرب العالمية الثانية ، والأطفال يسمعون عن الحرب ، ويترجمون ذلك في ألعابهم . كانوا يسمعون عن ثورة 39 ، فتستفز تلك الأحداث حسهم الوطني ، وتنمي فيهم الحماس ، وكان الأولاد يحبون ياسر ، لأنه يتنطط كالعفريت ويتكلم باللهجة المصرية المحببة الى النفس والقلب .

 كان قلب خاله سليم قد تعلق بياسر وفتحي كثيرا ، كما تعلقا به أيضا ، فخاله لم يرزق بالخلف ، لذلك عاش الطفلان في ظل الخال وزوجته المحرومين من الأطفال والمتلهفين عليهم ، فنال الطفلان من الرعاية والحب الشيء الكثير ،    لذلك بقيا على عهد الوفاء والحنين إلى خالهما ، كما يظهر في رسائل ياسر عرفات إلى خاله. وهذه مقتطفات من رسالة وجدتها ضمن عدة رسائل  شخصية قديمة بين أوراق المرحوم سليم أبو السعود ، إحداها من ياسر عرفات من القاهرة وموجهة إلى خاله سليم في القدس ومؤرخة في 2/2/ 1947، حيث استوقفتني هذه الفقرة التي كتب فيها :

" ولكني يا خالي بعد أن طالت المدة وازدادت نيران الشوق ، لم استطع صبرا ولم أرى بدا من أن أتغلب على تلك النفس المتمردة الثائرة حتى أستطيع أن أسطر إليك تلك الكلمات القليلة التي أعتقد أنها خير من كلمات مطولة وتحرير كبير ، فإن كثرة الكلام وطول الخطاب ليذكرني بتلك الأيام السعيدة التي قضيتها في كنفك ترعاني وتحدب علي ، وان هذا لمما يزيد في عذاب نفسي وشقاء روحي عندما أعلم أنني عندك ببعيد " .

الكلمات السابقة هي كلمات ياسر عرفات ، حين كان ابن 18 عاما ، أرسلها من القاهرة الى القدس ، لكن .. هل انقطع عرفات فعلا عن فلسطين وعن تتبع أخبار فلسطين  في تلك الفترة ؟

كان الشيخ حسن أبو لسعود ، يتردد كثيرا على القاهرة مبعوثا من القيادة الفلسطينية ، ضمن عادة المفتي في تلك الأيام في التشاور مع الزعماء المصريين ، وكان عبد الرؤوف القدوة  يذهب لزيارة الشيخ كلما سمع بقدومه الى مصر ، وكان يأخذ معه أولاده ، وعندما نفى الإنجليز الشيخ إلى مصر أثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد العودة من المنفى في جزيرة سيشل ، كان أبناء القدس والأقارب ، وبينهم ياسر عرفات يلتقون على مائدة الشيخ حسن أيام الجمع ، وكان صالون الشيخ بمصر الجديدة ، يستقبل دوما زعماء مصر وزعماء العرب ، وكان ياسر قد جدد صداقته لأبناء الشيخ ،  رفاق الطفولة واللعب في ساحات الحرم بالقدس ، فأصبحوا رفاق الصبا في القاهرة ، وأصبح كثير التردد على بيتهم ، وكان ياسر عرفات يتسابق معهم لتقديم القهوة لضيوف الشيخ ، علهم يسمعون بعضا من كلام الزعماء ، ليتباهوا بذلك أمام أصدقائهم . فلا عجب اذن أن تخلق مثل تلك البيئة ، شابا مندفعا نحو النضال ، وتواقا ليأخذ فرصته لصد الأخطار المحدقة بالوطن خاصة وأنه يعشق القدس ويحن إليها .

في تلك السنوات ( 1945-1948 )، كان هم القيادة الفلسطينية في المنفى ، تأمين السلاح للمجاهدين في فلسطين ، وكانت إحدى الطرق لذلك ، شراء مخلفات معركة العلمين  من الأسلحة ، ورغم أن ياسر عرفات ، كان فتى يافعا آنذاك ، إلا أنه كان يصر على الذهاب إلى صحراء مصر الغربية ، وكان يسير في حقول الألغام ، يتبع الدليل البدوي ، الذي يقودهم إلى بقايا السلاح المتروك هناك ، وقد رافق ياسر عرفات الشيخ موسى ابو السعود وحيدر الحسيني  في زيارات لبدو الصحراء الغربية بمصر لشراء ما أخفوه من اسلحة ، وبعد ذلك تأمين وصول هذا السلاح الى فلسطين عبر غزة ، وقد حدثني في آخر مرة قابلته بها عن تلك الأيام ، وعن دبابة عرضت عليهم لشرائها بمبلغ خمسين جنيها مصريا ، كانت موجودة لدى أحد تجار الخردة في وكالة البلح في مصر ، وأن المشكلة كانت في عدم شرائها ، هي كيفية نقلها وتهريبها إلى فلسطين . نعم هذا ما قاله لنا ياسر عرفات قبل شهرين من وفاته ، حين ذهبنا أبناء العائلة لنقدم الشكر له لمواساته وتقبله العزاء بابني عمنا موسى وحاتم وأحدهما هو موسى رفيقه في صحراء العلمين وابن الشيخ حسن ، الذي كان ياسر عرفات يعتبره أباه الروحي .

لا أريد أن أتحدث عن دور ياسر عرفات في حرب عام 1948 ، ولا عن رابطة طلبة فلسطين في أوائل الخمسينات ، ولا عن دوره كمتطوع أثناء العدوان الثلاثي على مصر ، فتلك أمور موثقة ومعروفة ، لكنني أود أن أذكر ، أن أقارب ياسر عرفات ، أرادوا إبعاده عن النشاط السياسي والنضالي ، لذلك فقد سعى ابن عمته " راجي أبو السعود " ، الذي كان يعمل في دائرة الأشغال الكويتية آنذاك ، لتأمين عمل لياسر عرفات  كمهندس في تلك الدائرة  ،  فلعل العمل والمال ينسيه السياسة ، فذهب إلى الكويت ، وكان يقضي الكثير من وقته في بيت قريبه هذا، فذلك أفضل من بيت " العزّاب " الذي كانت إمارة الكويت في ذلك الحين تؤمنه للمهندسين غير المتزوجين الذين يعملون معها ، لذلك رأينا الوفاء كل الوفاء من ياسر عرفات ، حين عاد إلى الوطن ، والى أريحا بالذات ، حيث اعتاد على زيارة ورعاية تلك العجوز التي جاوزت التسعين من عمرها ، ثروت " أم سليمان " زوجة راجي ، والتي توفيت بعده بأيام متأثرة بخبر وفاته.

في نهاية عام 1964 ، زارنا في بيتنا بالقدس ، رجل أصلع ، كان ينادي والدي بلقب " خالي " ، وعرفني والدي عليه بأن اسمه ياسر عرفات ، لم أكن أعرفه قبل ذلك ، ولكن ، وفي اليوم التالي ، طلب مني والدي أن اذهب معه إلى بيتنا في أريحا لأن عنده ضيوف على الغداء ، بالطبع اصطحبني والدي لخدمة ضيوفه ، بعد أن أخذ علي العهود والمواثيق بأن أكتم أمر ما أسمع أو أرى ، وفوجئت هناك بأن ضيف الأمس يقود الحديث ، وان الضيوف هم عدد من شخصيات القدس ، ولعلي الآن استطيع أن أقول ان هذه الشخصيات هي راسم الخالدي ، والدكتور داود الحسيني ، واسحق الدزدار ، وعبد الرحمن الكالوتي ، وياسر أبو السعود ، ووالدي  توفيق أبو السعود ، رحمهم الله جميعا ، وكان من رتب لهذا اللقاء هو عمر الخطيب ( أبو شامخ )  ، وقد اعتقل جميعهم بعد ذلك اللقاء ببضعة أشهر .

بعد حرب عام 1967 بشهرين ، زارنا هذا الرجل في بيتنا مرة أخرى ، وكان يرافقه المرحوم فهمي الحموري ، وطلب إلي والدي أن أقدم القهوة وأغلق الباب خلفي ، لم أعرف ما دار من حديث ، لكني عرفت الرجل من لهجته المصرية ،  وعرفت  فعلا من يكون ، حين رأيته بعد ذلك بعدة أشهر يتحدث في ندوة باتحاد طلبة فلسطين في القاهرة ، وقدموه لنا بأنه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الجديد . وكانت المفاجأة لي آنذاك ، أنه عرفني وهو يغادر القاعة بعد انتهاء حديثه الينا ، وسألني : " كيف الأهل بالقدس ؟ اذا عندك اتصال بيهم ، قول لهم مش حنطول عليهم ، حنحررهم "

رجل أحب القدس ، عشق القدس ، وتمنى أن يدفن في ترابها ، كان يفتخر دوما بأن أخواله من القدس ، وانه ولد وعاش بعضا من طفولته وصباه بها ، عشق حجارتها  وقبابها ، عشق كعكها والزيت والزعتر ، وأحب " القزحة " على الإفطار ، كما أحبها واعتاد على أكلها صباحا خاله المقدسي ، عشق عبق التاريخ في القدس ، عشق رائحة البخور تهفو من كنائسها ، وصوت المؤذن ينطلق من مآذنها ،  لم يسمح له بدخولها بعد عودته ، إلا في تلك الليلة الماطرة العاصفة ، حين كان في بيت لحم ، ويريد السفر إلى الأردن ، ولم تكن الأحوال الجوية تسمح لطائرته بالطيران ، فذهب عن طريق الجسر مرورا بالقدس ، فاستنشق أريجها ، وهاجت في نفسه ذكريات وذكريات ، وقد حدثني أحد الأصدقاء بأنه حمل عنقودا صغيرا من عناقيد العنب ، كان قد قطعه من دالية عنب وحيدة مزروعة فيما تبقى من أرض الزاوية الفخرية بالقدس  وأخذ قطف العنب هذا الى ياسر عرفات ، الذي بدت البهجة والسعادة على محياه وهو يأكل شيئا من " ريحة القدس والزاوية " ،التي هدمها الاسرائيليون عامي 1967 و1968 ، بحجة انها جزء من الحائط الغربي لهيكلهم المزعوم ، وان حفرياتهم اسفلها بعد ذلك لم توصلهم الى شيء من أثر الهيكل . ولعل البعض منكم يعرف أن ياسر عرفات كان يؤمن بنظرية  أن الهيكل لم يبن  يوما ما في القدس ، وأنه كان مع نظرية أن موسى عبر ببني اسرائيل البحر الأحمر من جنوبه ، وأن اليهود عاشوا في جنوب الجزيرة العربية  وبنوا هيكلهم هناك .

ولعل الجميع يعرفون ، أن ياسر عرفات كان يتباهى دوما ب " كوشان الطابو" الذي يثبت حصته وحصة اشقائه وشقيقاته من حقهم الارثي عن والدتهم في قطعة أرض براس العامود بالقدس .

تلك صفحات منسية  من تاريخ هذا الرجل ، الذي شهر أعداؤه به وبنسبه ، والذي فارقنا وهو يحمل الراية ، يتمنى العودة إلى القدس ، مرتع طفولته  ، والتي أحبها  وحلم بها وقدم لها الكثير ، وأوصى أن يدفن بها  ، والدعاء إلى الله أن يرحم أبا عمار ، وأن يحمي هذا الوطن المعذب ، والذي كتب له ولأهله أن يكونوا أهل الرباط إلى يوم الساعة . 

 رحم الله أبا عمار ، افتقدناه ، وافتقدته القدس التي لم يبخل عليها أبدا ، وعزاؤنا فيه أمل .. بان نواصل مسيرته ، أن نواصل حبنا ورعايتنا للقدس ،  أن نعمل على اعمارها وبقاء أهلها بها ، وتواصلها مع عمقها الفلسطيني حيث تنتمي ، والتصدي لكل محاولات تهويدها وعزلها ، ولا حول ولا قوة الا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

 * محاضرة في ندوة

القدس مفتاح السلام والحرية

12-14/11/2005