حديث صحافي لياسر عرفات حول بعض الموضوعات والقضايا المهمة لمجلة المستقبل[ 22/4/1979]

2015-12-07

س- تفيد الأنباء انك ستدعو المجلس الوطني الفلسطيني إلى اجتماع طارئ لمواجهة مرحلة ما بعد المعاهدة فما هو ردك على هذا؟

ج- ليس هناك شيء من هذا القبيل في الوقت الحاضر فقد خرجنا من اجتماع المجلس الوطني الأخير بخطة واضحة واتفاق كامل بين جميع الإخوان الذين شاركوا في هذا المجلس.

عندنا برنامج سياسي موافق عليه بالإجماع وعندنا برنامج تنظيمي وأخر مالي. وقد دعوت المجلس المركزي إلى اجتماع أمس بحثنا فيه جميع التطورات التي طرأت بعد توقيع المعاهدة واتخذنا عددا من الإجراءات التي تنتظر التنفيذ.

والمطلوب ليس في الحقيقية جمع المجلس الوطني بل تنفيذ قرارات المجلس وهذه المهمة ملقاة على عاتقنا داخل الساحة الفلسطينية.

قد يظن بعض الناس أن الذي حدث يمكن أن يعيق تحركنا ولكن ذلك ليس صحيحا فأنا اعتبر أن الذي حدث سيزيد من فاعليتنا وقدرتنا على النضال.

الأمة العربية مرت بالكثير من هذه الفترات الحرجة والخطيرة ولكنها كانت دائما قادرة على أن تخرج منها بسلام.

والذي حدث في قمة بغداد بعد كامب ديفيد هو دليل على ذلك فقد كان العالم يظن أن العرب لن يجتمعوا بدون السادات ولن يتمكنوا من اتخاذ أي قرار هام والحقيقة أننا اجتمعنا من دون السادات واتخذنا قرارات هامة بل وخطيرة سواء على الصعيد السياسي أو الإعلامي أو الاقتصادي أو المالي أو كذلك على الصعيد العسكري.

قبل القمة قام المستشار بريجنسكي بجولة في المنطقة حاملا رسائل من كارتر إلى رؤساء وحكام بعض الدول العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز وحتى لبعض دول السوق الأوروبية ونعرف أن كارتر ضغط في بعض هذه الرسائل وهدد في بعضها الآخر.

وعاد بريجنسكي إلى واشنطن وفي قناعته أن العرب لن يتخذوا مواقف جادة. بل لقد بلغ الاستعلاء الأميركي حدا خرجت معه صحيفة الـ"واشنطن بوست" مثلا في طبعتها الأولى قبيل اجتماع بغداد إن العرب لن يطلع منهم شيء وإحنا داعسين وماشيين في المنطقة وخطتنا ماشية وما حدش حايعترض عليها.

ولكن عندما خرجت قرارات بغداد مخيبة لآمال الأميركيين عادت الصحيفة وسحبت مقالها واستبدلته بآخر.

صحيح أن الميلاد كان عسيرا ولكنه لو لم يكن كذلك لما جاء المولود صحيحا وعلى مستوى المرحلة.

لقد كانت قرارات بغداد هامة وحيوية وفي مستوى المرحلة ومن اجل ذلك جاءت بعد ولادة عسيرة وقيصرية.

س- هناك أسئلة يواجهها المرء في جميع العواصم العربية هي هذه الولادة التي تتحدث عنها خرجت بمقررات جديدة وقابلة للتنفيذ؟

ج- طبعا إنها جدية...جدية في التنفيذ وجدية في الاقتناع. لقد سحب العرب سفراءهم من الجامعة العربية.

وعمليا انتقل مقر الجامعة من القاهرة وبدأت الدول العربية تنفيذ مقررات بغداد. أمس مثلا قرأت نبأ عن خط السوميت هل تعلم ماذا يعني هذا؟ خط السوميت هو الذي ينقل البترول العربي من السويس إلى الإسكندرية.

وهذا يعني أن العدو العربية ستمنع نفطها من التدفق عبر السويس. إن ذلك أمر مشجع للغاية فقد بدأ العرب يبحثون بتفاصيل المقررات التي اتخذت.

س- ما دمنا نتحدث عن النفط فاسمح لي أن اطرح عليك هذا السؤال لقد قلت انك ستصعد نضال الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه بكل الوسائل وردت واشنطن بأنك لن تستطيع أن تضرب مصالحها في المنطقة ماذا تقول في ذلك؟

ج- أنا عايز أقول حاجة أمس صدرت قرارات مهمة في الجلسة الطارئة التي عقدها المجلس المركزي للعمال العرب الذي عقد في دمشق.

هل سمعت بهذه القرارات؟ إنها قرارات مهمة جدا تتعلق بتعهد العمال العرب بضرب المصالح الأميركية من المحيط إلى الخليج ليس فقط الثورة الفلسطينية طلبت ذلك بل العمال العرب كلهم يطالبون بهذا.

إن أول إجراء سيتخذه هؤلاء العمال هو مقاطعة السفن والطائرات الأميركية والامتناع عن تقديم أية خدمات لها.

وفي تقديري سيبدأ العمال بتنفيذ هذه الخطوات في غضون أسبوعين. واليوم زارتني لجنة منبثقة عن اجتماع دمشق وناقشت معي هذه المقررات التي سيعم تنفيذها العالم العربي بكامله.

أما النفط فقد كان الأميركيون يقولون أن شاه  إيران هو حامي النفط وقد أعطوه كل هذه الأسلحة المتطورة وفي ظنهم انه سيحمي لهم بها مصالحهم ليس فقط في الخليج أو في النفط بل في كل المنطقة وفي كل المصالح.

أي أن شاه إيران لم يتبرع للأميركيين بلعب دور بوليس المنطقة بل بدور البلطجي زي البلطجي الإسرائيلي يعني مش بوليس بل غانغستر مثله مثل السادات بس البلطجي مصيرهم معروف والتاريخ حافل بالأدلة على مصير البلطجية.

ومن هنا أقول أن عملية ضرب المصالح الأميركية هي من شأن الأمة العربية والأمة العربية قادرة على رد الصاع صاعين والمثل الإيراني خير دليل على ذلك.

س- هناك سؤال مطروح في الولايات المتحدة وهو أن الرئيس كارتر مد يده إلى منظمة التحرير الفلسطينية داعيا إياها لقبول قرار مجلس الأمن رقم 242 مع الاعتراف بالوجود الإسرائيلي على أمل إشراكها في مفاوضات الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة فما هو رد المنظمة على هذا الموضوع؟

ج- يعني هم يبحثون عن بيتان جديد جنب غويسلينغ الذي هو السادات يعني عايزين خائن جديد يضاف إلى الخائن الأول ولكنهم لن يجدوني خائنا أبدا.

ثم لنتحدث قليلا عن القرار 242 الذي يطالبنا كارتر بالاعتراف به هل يعترف هذا القرار بالفلسطينيين حينما يقول لك مع التحفظات تحفظات مع من ؟ مع الولايات المتحدة التي لم تحافظ في لحظة من اللحظات على أي تعهد تجاه الفلسطينيين.

بل بالعكس إن كل ما قامت به واشنطن تجاه الفلسطينيين كان عملا مضادا أنا أريد أن أتذكر عندما قال كارتر في مطلع حكمه انه يريد أن يكون للفلسطينيين هوم لاند ناشينال هوم لاند ولكن ما الذي حصل؟ لقد أعلن كارتر ذلك في البيان السوفياتي الأميركي ونادي بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والممثلين الرسميين للشعب الفلسطيني وإذا به يرسم هذا الكلام رسميا وينفذ عكسه بالاتفاق وللأسف مع بيغن.

وإذا بالـهوم لاند أو بالوطن القومي الفلسطيني يتحول إلى إدارة ذاتية. هذه هي المؤامرة هل تعرف ما معنى الإدارة الذاتية الإدارة الذاتية التي يعرضونها تحرم علينا حتى السيطرة على منابع المياه. أريد أن اسأل العالم اجمع هل هناك قرية في هذا الكوكب الأرضي كله لا يسيطر أهلها على المياه التي يشربون منها؟ ماذا يريدوننا أن نحكم في الإدارة الذاتية البشر أم المجاري الصحية أم الخدمات ؟ البلديات تقوم بأكثر مما تقوم به الإدارة الذاتية إنهم يريدون أن ينتزعوا منا الاعتراف بشرعية الاحتلال في مقابل الإدارة الذاتية.

إن الشرعية الفلسطينية هي أغلى ورقة ويجب أن يعرف ذلك القاصي والداني ولن نبيعها بهذا الحكم الذاتي الذي يعرضونه علينا.

ثم إنني أريد أن اذكر العالم باللاءات الثلاث التي أعلنها بيغن والتي وجهها إلى مصطفى خليل وهي لا للعودة إلى حدود 1967 لا للدولة الفلسطينية ولا عودة للقدس العربية.

فبعد هذا هل يمكن للفلسطيني أن يطمئن إلى الوعود؟ إن كارتر قد اخل بالبيان السوفياتي الأميركي فما هي الضمانة الممنوحة لي أنا الضحية المسحوقة رغم أن كارتر كان قد نادي بإقامة وطن للفلسطينيين.

من حقي أن أقول انه وحتى هذه اللحظة لا يوجد احد يمكنه القول أن أميركا باستطاعتها أن تتعهد بشيء.

إن أميركا لم تعط الفلسطينيين سوى مزيدا من البؤس والشقاء فبعد زيارة السادات للقدس أعلن بريجنسكي باي باي فلسطين إن من حقنا أن نتذكر كل هذه الأمور إننا نرى في الدعوى الأميركية الجديدة طعما أميركيا جديدا ولكننا لن نسقط في شراكة.

ذات يوم قال الرئيس عبد الناصر وكنت أزوره في الإسكندرية وكنا نجلس معا على شاطئ البحر يا أبو عمار يريدون أن يقع الحوت المصري في الشبكة والآن بعد أن وقع الحوت المصري يريدون أن يقع الحوت الفلسطيني.

لقد أصبحنا حوتا ولسنا سمكة.

وليفهم القاصي والداني هذا الكلام أن الرقم الفلسطيني هو الآن الرقم الصعب في معادلة الشرق الأوسط ولن يستطيع احد القفز فوق هذا الرقم.

يجب أن يكون هذا واضحا أنا أتحدى أن يستطيع احد القفز فوق هذا الرقم وأقول هذا لكي يسمعني كارتر وعميلاه بيغن والسادات العميل الذي يتكلم العبرية والعميل الذي يتكلم العربية.

س- فلنتحدث عن الأمم المتحدة والدور الذي تراه منظمة التحرير الفلسطينية للأمم المتحدة حول إيجاد تسوية عادلة للازمة خارج إطار اتفاق كامب ديفيد .

ج- أولا لا علاقة لي بكامب ديفيد ولن تكون لأي فلسطيني علاقة بكامب ديفيد ومشتقاته لان ما بني على باطل هو باطل.

أما بشأن الأمم المتحدة فقد صرح فالدهايم بأن المعاهدة لم تحقق السلام وأنا أقول إنها ليس فقط لم تحقق السلام بل أن كارتر قد وضع الديناميت في هذه المنطقة لذلك يجب على الأمم المتحدة أن تنقذ الموقف.

إنني أشبه زيارة كارتر للمنطقة بزيارة شامبرلين لميونيخ عام 1939 التي وقع بعدها انفجار الحرب العالمية الثانية أن على الأمم المتحدة أن تتحمل مسؤولياتها وتنفذ قراراتها وخاصة القرارات التي اتخذتها بعد خطابي الشهير في الأمم المتحدة عام 1974.

س- الأمم المتحدة اتخذت قرارا؟

ج- ليس السادات هو الذي أرسلني إلى الأمم المتحدة إن الذي أرسلني إلى الأمم المتحدة هو بنادق الثوار الفلسطينيين البنادق التي خلقت المعادلة الصعبة في المنطقة.

بالإضافة إلى القرار الذي صدر عن مؤتمر قمة الرباط حول قيام الرئيس اللبناني السابق سليمان فرنجية وأنا بالتوجه إلى الأمم المتحدة وبالفعل قام الرئيس فرنجية بدور رائع عندما توجهنا معا إلى الأمم المتحدة.

س- المعروف أن قرارات الأمم المتحدة تنفذ معظم الأحيان لكنها لا تنفذ كما يجب عندما يكون الأمر متعلقا بمنطقة الشرق الأوسط فكيف تطلب من الأمم المتحدة أن تنقذ الموقف؟

ج- أولا يجب أن يبدأ الموقف بقوانا الذاتية صحيح أن اختراقا حصل في الجبهة المصرية ولكنني اعتبره اختراقا مؤقتا وإذا دام الشاه فليدم الوضع في مصر.

ثانيا أنا لا أخاطب الأيام من منطلق الساعات أنا أخاطب المنطقة من منطلق الموقع التاريخي والموقع الاستراتيجي ولذلك دائما رؤيانا مستقبلية يجب أن توضع كل هذه العوامل في البانوراما الأمامية الواسعة.

صحيح أنهم حولوا إسرائيل إلى ترسانة سلاح لكنني لا افهم معنى هذا السلام الذي يتكلم عنه كارتر والذي ثمنه 5 مليارات دولار وبالإضافة إلى أن الأهم في الموضوع هو قوانا الذاتية فان هناك شيئا مهما آخر وهو موقف جميع الأحرار والشرفاء في العالم.

موقف أصدقائنا في دول عدم الانحياز موقف أصدقائنا الأفارقة موقف أشقائنا المسلمين موقف حلفائنا في الدول الاشتراكية موقف أصدقائنا حتى في العالم الغربي حيث بدأوا يتفهمون انه لا حل في هذه المنطقة بدون وطن قومي للفلسطينيين وبدون حل للمشكلة الفلسطينية ومن هنا يجب فهم الموقف الفرنسي الأخير.

والى جانب هذا لا بد أن ندرك أن الشرعية الدولية التي نحترمها والتي تقف إلى جانبنا هي طريقنا لتحقيق الكثير من النجاحات لأننا لسنا غانغستر .

إذا كان الأميركيون يفكرون بعقلية الغانغستر ويتجاوزون مقررات الأمم المتحدة فنحن نرفض هذه العقلية ويرفضها معنا كل الشرفاء وكل الأحرار في العالم.

إذا كانت أميركا تدعم إسرائيل في عدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة سنة سنتين ثلاث سنوات وعشر سنوات فما هي النتيجة ؟ النتيجة أن هذا الموقف الإسرائيلي نابع من التدليل الأميركي لإسرائيل وهذا سينعكس عاجلا أم أجلا على مصالح أميركا في هذه المنطقة.

إن هذه المنطقة العربية ستجد ذات يوم طريقها لتستطيع أن تدافع عن مصالحها بالطريقة التي تراها مناسبة.

ومن حقنا كما يقول تشرشل أن نستخدم الأساليب التي نراها مناسبة ألم يقل مسؤول أميركي كبير أظن انه وزير الدفاع بروان أن من حق أميركا أن تستخدم القوة المباشرة للدفاع عن مصالحها؟ وكذلك من حق العرب أن يستخدموا جميع وسائلهم للدفاع عن أنفسهم.

س- هناك من يقول أن علاقة ياسر عرفات بالرياض اليوم تختلف عن علاقاته بالرياض أمس بكلمة أخرى إن هذه العلاقة تسير من حالة جيدة إلى حالة سيئة. ما رد أبو عمار على ذلك؟

ج- أولا إن الذين يعتمدون على هذه المقولة مخطئون لان علاقتي مع الإخوة في السعودية ليست علاقة سطحية.

إذا كان بعض الناس ينطلقون من بعض الاجتهادات التي حدثت في مؤتمر بغداد فان الوضع مختلف جدا .

إن ما يربطني بالإخوة السعوديين شيء أعمق من هذا بكثير انه الوطن انه القدس. هناك عهد قطعناه على أنفسنا جلالة الملك خالد والمرحوم الملك فيصل قبل أن يوارى الثرى وأنا بأن المملكة ستستمر في دعم الثورة الفلسطينية إلى أن نسترجع القدس سوية ولذلك نحن وكذلك هم لا نعير الأمور الخارجية أهمية تذكر.

س- ماذا عن الدول العربية الأخرى؟

ج- اسمع يجب أن تفهم ما هي الثورة الفلسطينية مشكلتنا ليست مشكلة تحرير الأرض ولو كانت فقط مشكلة تحرير الأرض لحررناها من زمان. ولكن المشكلة الفلسطينية هي لب المشكلة في الشرق الأوسط.

في يوم من الأيام قابلت الجنرال غياب في سنة 1970 وكان ذلك في هانوي وقد قال لي كلمة مهمة. قلت له بأنني سعيد بالتعرف إلى أعظم قائد ثوري في العصر الحديث فقال لي لا تتواضع يا أبو عمار أنا يسعدني أن أقابل قائد أعظم ثورة في منطقة الشرق الأوسط.

نحن في هانوي خلفنا الجدار الصيني والجدار السوفياتي أما انتم فثورة في اخطر منطقة في العالم في منطقة البترول ونحن نفهم هذا الكلام لان معناه أن ثورتنا تعارض المصالح الامبريالية والتروستات والاحتكارات الدولية ومن هنا عنف المقاومة والمؤامرات التي تلقاها هذه ثورة حضارية نحن نخوض معركة حضارية بين حضارة امتنا العربية وبين هذه الحضارة الدخيلة علينا أي هذه الحضارة الصهيونية التي هي رأس الرمح لحضارة الاحتكارات وحضارة الامبريالية العالمية في منطقاتنا.

ومن هنا نحن نخوض معركة ضد محاولات مستمرة من قبل هذه الاحتكارات الدولية والامبريالية العالمية والصهيونية لضرب وحدتنا وشق صفنا ووضع الأسافين بيننا وبين بعض إخواننا في المنطقة العربية.

هذا ما فعلته بنا الصهيونية والامبريالية في سنة 1970 في الأردن. وقد أعلن الرئيس نيكسون في تلك الأيام للكونغرس انه كان يقود العملية من على ظهر حاملة الطائرات الأميركية سارادوغا في البحر المتوسط وهي العملية التي اعتبرها في حينه اخطر من عملية خليج الخنازير في كوبا.

إن ما حدث لنا في الأردن حدث لنا في لبنان كان يديره الأميركيون وأنا اذكر بالمناسبة أن الرئيس اليوغسلافي تيتو قال لي عندما زرته في 5/12/1974 ما يلي:

قبل أن تزورنا بثلاثة أيام كان كيسنجر هنا وقال لنا إن قرارات الرباط غيرت كل الحسابات والمعادلات في الشرق الأوسط.

وقد نبهني الرئيس تيتو إلى خطورة ما قاله له كيسنجر وعدت إلى إخواني في المنطقة العربية من مسؤولين وغير مسؤولين وقلت لهم أن ثمة شيئا يرتب في الخفاء لهذه المنطقة دعني أتذكر في منتف شباط فبراير 1975 قتل معروف سعد في صيدا ثم بدأت حرب لبنان.

اذكر أيضا كيف إنني قمت مع إخواني هنا في بيروت بمحاولات ضخمة لتأمين ترحيل الرعايا الأميركيين عن لبنان بناء على طلب الإدارة الأميركية وإذا بكيسنجر يرسل لي بكل وقاحة تهديدا بأنني مسؤول عن هؤلاء الرعايا.

س- بعد رحليهم؟

ج- طبعا نعم وهذا مؤسف إذ تلك هي عقلية الغانغستر في أية حال دعني اقل لك أن هذه الثورة لا يستطيع احد أن يهددها ليفهم القاصي والداني والذي يظن إننا نخاف لا نخاف وقد شهد العالم هذه القافلة من الشهداء في القيادات وفي صفوف الثوار هل توقفت الثورة؟ كلا لم تتوقف .

هؤلاء الناس يفكرون بعقلية الكمبيوتر ومش قادرين يفهموا معنى الثورة. إن هذه الثورة هي ضمير الأمة العربية بل لعلها أصبحت في ضمير العالم كله منذ 1949 حتى اليوم لم تحدث ثورة في المنطقة أو انقلاب أو حكومة جديدة إلا ووضعت في مقدمة برامجها القضية الفلسطينية.

ماذا يعني هذا؟ عندما نقول أن قرارات الجامعة العربية كلها جاءت في هذا الاتجاه قرارات دول عدم الانحياز كلها تؤيدنا قرارات الدول الإسلامية تؤيدنا قرارات الدول الإفريقية تؤيدنا قرارات الأمم المتحدة تؤيدنا.

ماذا يعني هذا؟ هذا يعني إننا دخلنا في ضمير العالم كله وهذا الأمر لا يستطيع الكمبيوتر الأميركي أن يفهمه.

لقد راهن الكمبيوتر الأميركي على شاه إيران ولكن الذي كسب الرهان هو الشعب الإيراني والثورة الفلسطينية [الإيرانية] والإمام البطل الذي قلب الموازين وجعل من إيران دولة مواجهة بعد أن كانت قاعدة أميركية.

س- في جوابك عن علاقة الدول العربية بما حدث للثورة الفلسطينية وجهت الاتهام إلى كيسنجر والكمبيوتر الأميركي مبرئا كما فهمت القيادات العربية الأخرى ومعتبرا انك معها في خندق واحد فهل هذا صحيح؟

ج- صحيح اعني إننا أسرة واحدة ويجب أن يكون هذا الكلام مفهوما جيدا نزعل نختلف نتخانق ولكننا في النهاية نحسم أمرنا بين بعضنا.

هذا ما حدث في مؤتمر قمة بغداد وهذا ما حدث في مؤتمر وزراء الخارجية. اختلفنا ولكننا في النهاية خرجنا بالقرار الموحد الذي نريد.

يظنون إنهم سيطروا على جبهتنا الغربية صحيح سقطت الجبهة الغربية ولكن هل سقطت الأمة؟ هل استسلم الأوروبيون للنازية عندما سقطت الجبهة الأوروبية كلا الجبهة الغربية التي هي مصر سقطت ولكن سقوطها مؤقت.

إن الشعب المصري سيثور ضد الذين ورطوه في هذه المعاهدة. أنا اعرف الشعب المصري جيدا أنا ربيت في مصر أنا ضابط احتياط في الجيش المصري واعرف ما هو الشعب المصري.

انه مثل نيلة هادئ ومنظره من السطح جميل ولكن عندما يأتي الفيضان يجرف أمامه كل شيء هذا الشعب الذي قال الجلاء التام أو الموت الزؤام لبريطانيا هل سيقبل الاحتلال الأميركي الجديد لسيناء؟ هل سيقبل بانتقاص سيادة مصر بناء على المادة رقم 6 والحقوق الوطنية الفلسطينية وشرف الأمة العربية؟

س- لقد قوطعنا منذ بداية الحديث باتصالين هاتفيين الأول من الجبهة الجنوبية حيث كنت تعطي الأوامر بالضرب والرد على العدو الإسرائيلي والثاني مع احد أصدقائك السياسيين اللبنانيين من اجل تحرك سياسي محلي.

وبالمناسبة هناك من يقول بأن الحرب العربية الإسرائيلية الجديدة قد تنطلق من جنوب لبنان أو حتى من الساحة اللبنانية فكيف يمكننا تصور مثل هذا الكلام؟

ج- الموضوع الأول دار حول المحاولة الإسرائيلية البحرية للاعتداء على مخيم الرشيدية وقد صدت المحاولة وأصبنا زورقا.

قد يظن الأميركيون والإسرائيليون ومعم المصريون للأسف أن لبنان هو نقطة ضعيفة ومنه يمكنهم الهجوم وهذا خطأ كامل لقد سبق لبريجنسكي أن ظن بأن لبنان نقطة الضعف ودفع عام 1978 بثلث الجيش الإسرائيلي في المعركة وكانت النتيجة لصالح الثورة الفلسطينية.

وفي تقديري إن أعمالا مستمرة تدور لتفجير الوضع في لبنان وخاصة في الجنوب على المستوى العسكري ونحن حريصون على ألا نخلق لهم أية ذريعة تدفعهم للقيام بأعمال انتقامية في لبنان وحرصنا هذا لا ينفي حتما سهرهم الدائم على خلق الذرائع التي سمحت لهم بشن أربع حروب كانت ثلاث منها حروب ذرائع.

وفي آخر لقاء مع الرئيس حافظ الأسد وجدته متفهما تماما لهذه النقطة المهمة ويقيم حساباته على هذا الأساس.

يجب أن يفهم الجميع أن لبنان ليس هو نقطة الضعف وان المشاكل يجب أن تحل على صعيد اللبنانيين أنفسهم ونحن سنقول كما قلنا سابقا بأننا ملتزمون بتنفيذ اتفاقياتنا مع السلطات اللبنانية.

وعلاقتنا الآن مع لبنان تقوم على أساس تفهم كامل وآمل أن يصل اللبنانيون إلى اتفاق تام فيما بينهم.

س- وماذا عن موضوع الانسحاب السوري من قوات الردع العربية في لبنان؟

ج- الجامعة العربية قررت التجديد ثلاثة أشهر لهذه القوات كان المفروض سنة ولكن الأمور ستترك إلى اجتماع مجلس الجامعة بعد ذلك لاتخاذ قرار آخر.

والمسألة ليست زمنية بقدر ما هي مسألة اتفاق الأطراف اللبنانية وأقول هذا ولست قيما على احد إنما من باب الصلات الإستراتيجية المتينة التي تربطنا بالسوريين.

س- ماذا تقول في الميثاق العراقي السوري وفي التقارب الفلسطيني السوري العراقي؟

ج- إن الميثاق العراقي السوري هو تعويض استراتيجي لغياب الجبهة الغربية اعني مصر عن حلبة الصراع بيننا وبين العدو الصهيوني ويأتي التقارب الفلسطيني امتدادا طبيعيا لعاقات قوية سابقة بيننا وبينهما وكانت زيارتي الأخيرة لبغداد دليلا لهذه العلاقات حيث أجرينا مباحثات ناجحة مع الإخوة المسؤولين وخاصة مع الأخ صدام حسين.

هناك خط استراتيجي يشمل بيروت ودمشق وبغداد وطهران. وهذا الخط الجديد الذي يشمل الأردن أيضا هو أساس الإستراتيجية المقبلة أضف إلى ذلك أن لقاءاتنا مع الملك حسين في المفرق وقبلها في بغداد وفي المفرق أيضا مع الرئيس معمر القذافي هذا الخط وكل الاتصالات واللقاءات التي ذكرتها تشكل المجرى الذي يبرز الجبهة الشرقية حاملة العبء الأساسي في مواجهة العدو الإسرائيلي.

وعلى الرغم من المزايدات التي أثيرت عقب اللقاء الفلسطيني الأردني فإننا نوضح عدم خضوعنا للمزايدات بل تتبعنا لشمولية الرؤية المستقبلية والإستراتيجية لهذا كان لقاؤنا ناجحا.

واليوم بالضبط تحرك وفد فلسطيني إلى عمان مؤلف من الإخوة زهير محسن حامد أبو ستة وأبو مازن ومحمود عباس لحضور اجتماعات اللجنة المشتركة الأردنية والفلسطينية.

س- أنت متهم من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة بأنك إرهابي ما ردك على هذا الاتهام؟

ج- هذه نكتة أن اتهم إرهابيا من الإرهابيين جورج واشنطن اعتبره العرش البريطاني إرهابيا لمطالبته برفض ضريبة الشاي وهوشي منه اعتبر إرهابيا ديغول أيضا.

كل الذين طالبوا بحرياتهم وناضلوا من اجل استقلالهم اتهموا بأنهم إرهابيون ولو سمحنا لأنفسنا بالكلام عن الإرهابية دعنا نتساءل كم رجلا اتهم بالإرهابية وهو الآن يمثل بلاده في الأمم المتحدة بعد استقلالها؟ اللوبي الصهيوني يشغل العالم بالفظائع التي ارتكبت ضد الشعب اليهودي ويبالغ فيها كالهولوكوست مثلا لكنه يتناسى فظائعه بحق الفلسطينيين وهذا كلام ليس لي فقط بل لالكسندرا جونسون موظفة الخارجية الأميركية. تقاريرها واضحة نشرتها الصحف ولما تسي تونغ مثل يقول في الوقت الذي يتوقف فيه أعدائي عن مهاجمتي لا بد أن أراجع حساباتي فعندما يتعامى اللوبي الصهيوني عن القنابل المحرمة دوليا التي يستعملها الإسرائيليون ضد الأبرياء يكون قد أهمل مراجعة حساباته.

وعلى كل حال عندما سندخل القدس ونرفع علم امتنا العربية فليتبجحوا بالكلام عن الإرهابية.

إن دايان الذي استهتر بنا عام 1967 وشبهنا بالبيضة التي يمكنه سحقها بسهولة نراه يتكلم عن منظمة التحرير الفلسطينية والاهم من هذا كله أن 105 دول قد اعترفت بالمنظمة ولنا اليوم بعد عالمي وحضور لا يستهان به.

إن الإدارة الأميركية التي تخدع باللوبي ودعاياته لا بد أنها تعرض مصالحها للدمار.

على أن لنا صداقات متينة على مستوى الشعب الأميركي وغالبا ما تصلنا رسائل وتبرعات تثبت اهتمام الأميركيين بثورتنا.

أمس مثلا وصلتني رسالة من مواطن أميركي يطالب فيها بضرورة نجاح الثورة الفلسطينية.

وفي الرسالة عشرة دولارات تبرع بها هذا الأميركي لنصرة القضية الفلسطينية ولكي نكمل النضال.

 

بيروت
(المستقبل، باريس، العدد113، 22/4/1979، ص14-17)