حديث صحافي لياسر عرفات حول اتفاقية سيناء و بعض المسائل الأخرى الراهنة[1975/9/15]

2015-12-07

ما هي التأثيرات المباشرة على الثورة الفلسطينية من اتفاقية سيناء الأخيرة بين إسرائيل ومصر؟

ج- مع حرصنا جميعا على مصر وشعب مصر وقوة مصر وتقديرنا لتضحيات هذا الشعب العظيم فانه بلا شك أن الاتفاقية المصرية الإسرائيلية الأخيرة في سيناء لا بد وان نعطي رأينا فيها بوضوح لأنها ستترك آثارا مباشرة وغير مباشرة على الثورة الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني وعلى الأمة العربية وعلى حركة الصراع العربي الصهيوني والصراع العربي الامبريالي الأميركي فهي في مجملها اتفاقية سياسية تتضمن في بنودها المختلفة مخالفات صريحة وواضحة لمقررات القمة العربية في الرباط والجزائر والخرطوم .

وهي انطلاقا من ذلك تؤثر بشكل سلبي على صراعنا المحتدم مع الصهيونية العالمية والامبريالية الدولية والأطماع الأميركية القديمة والجديدة في منطقتنا العربية حيث تحلم أميركا بإعادة سيطرتها على هذا الجزء من العالم الذي يشكل احتياطي النفط فيه 80% من احتياطي النفط في العالم اجمع.

هذا بجانب الموقع الاستراتيجي والمواد الأخرى الأولية المتواجدة في منطقتنا العربية والتي لا زالت في بعض المناطق بكرا لم تمس.

وبلا شك فان إشارة هذه الاتفاقية إلى إنهاء الصراع مع العدو الصهيوني والتركيز على أن القضايا المعلقة لا تحل إلا بالطرق السلمية عدم استخدام القوة بينهما وفي الشرق الأوسط يعطي أبعادا خطيرة لهذه الاتفاقية ويضع صعابا تصل إلى حد حرمان الأجيال القادمة من فرص الجهاد والنصر وهو حق لا يمتلكه هذا الجيل أو غيره من الأجيال.

فان كان جيلنا ليس بإمكانه أن يحقق كل الانجازات المطلوبة منه فهو قوميا ووطنيا وتاريخيا ليس من حقه أن يغلق النوافذ والأبواب أمام الأجيال المقبلة.

وتأتي الغارات الإسرائيلية المتكررة التي تقوم بها الطائرات الأميركية والأسلحة الأميركية الأخرى البرية والبحرية على مخيماتنا وعلى الجنوب اللبناني وضد الوجود الثوري الفلسطيني دليلا فاضحا على أن إيقاف القتال وتجميد الوسائل الحربية عدم اللجوء للوسائل الحربية قد تم على جبهة واحدة بينما انطلق العدو يعزز ويعمل على الجبهة الأخرى وركز كل ثقله العسكري الإسرائيلي الأميركي على الثورة الفلسطينية كما يحدث كل يوم داخل الأرض المحتلة وخارجها.

إن هناك مثالب كثيرة من وجهة نظر الثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني على الاتفاقية الأخيرة في شرح هذا الموضوع ولكننا في الثورة الفلسطينية كنا ولا زلنا ننطلق من وحدة الموقف العربي الذي مزقته الخطوات الكيسنجرية تحت سمع وبصر الجماهير العربية ونجحت في تفتيت الموقف المصري السوري الفلسطيني الذي اعتمد بعد حرب تشرين الأول أكتوبر كمحور المجابهة الأساسي في الصراع العربي الصهيوني وركيزة للتضامن والوحدة العربية الموجهة لخدمة قضايا الأمة العربية.

وهنا يقع على الثورة الفلسطينية وعلى امتنا العربية مسؤوليات جسام وخطيرة في مواجهة هذا المخطط الامبريالي الأميركي الذي يظن انه يستطيع القفز فوق الثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.

وأنا من موقعي كقائد عام لقوات الثورة الفلسطينية ورئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أقول أن الرقم الفلسطيني هو الحقيقة الأزلية والواضحة في هذه المنطقة والتي استطاعت عندما انطلقت في الفاتح من يناير كانون الثاني 1965 أن تكسر دياجير الظلمة في هذا الصراع والتحدي الذي تواجهه الأمة العربية عندما انطلقت مجسدة لإرادة الشعب الفلسطيني والأمة العربية.

وان الثورة مستمرة بفعل الإرادة وستحقق انتصارها الكامل والصمود بوسائل خارجية ووسائل عربية من اجل انتزاع اعتراف صاحب الأرض بالمغتصب باعتباره العنصر الأساسي في المطامع الصهيونية ولتثبيت شرعيته في الوجود مما يخالف مطالب أجيالنا السابقة والحالية والمقبلة.

س- قال السيد إسماعيل فهمي وزير الخارجية المصري في حديث صحفي له بأن أبو عمار كان على علم باتفاقية سيناء الأخيرة وانه ابلغه شخصيا نقاط الاتفاق فما هو تعليقكم على ذلك؟

ج- لقد أطلعني السيد اشرف مروان في لقاء تم أثناء زيارتي الأخيرة للسعودية على بعض النقاط حول ما اسماه بالمطالب المصرية تجاه الاتفاقية التي كان كيسنجر يسعى للوصول إليها فمثلا ابلغني أن الاتفاقية غير سياسية ففوجئت عند إعلانها بأنها اتفاقية سياسية طبقا لبنودها المعلنة والسياسيين الذين وقعوا عليها.

كما أشرت إلى أن هذه الاتفاقية لن تمس المصالح الفلسطينية ولن تمس الثورة.

ولقد حرصت ورفاقي الذين حضروا المقابلة على تسجيل هذه الرسالة الشفوية وقد حملته بدوري رسالة شفوية للرئيس السادات تحدثت فيها عن الشعور الفلسطيني بالوحدانية وحول مجمل التحركات التي تدور في المنطقة سواء من خلال الموقف العسكري الفلسطيني وتصفي الثورة الفلسطينية وغير ذلك من المواضيع وقد سألته هل ما أبلغتني به يتطلب الموافقة؟

فقال نحن لا نطلب موافقة احد وبالرغم من ذلك قلت إنني أتحفظ على ما قلته لي وهنا لا بد من وقفة تاريخية على القيادة الفلسطينية أن تقفها وهي أن فلسطين ليست ملكا لهذا الجيل ولكنها ملك للأجيال السابقة المدفونة في ترابها وللأجيال القادمة التي لم تولد بعد.

وإذا كان كيسنجر قد استطاع أن يحصل على هذه الموافقات مقابل بضعة أميال فكم سيطلب لاسترجاع القدس.

والآن وقد استطاعت الثورة الفلسطينية أن تصمد وان يأتي الموقف السوري ليعزز ويقوي ويرسخ الصمود الفلسطيني والعربي ثم الموقف الذي وقفه الأصدقاء السوفيات بالنسبة لهذه الاتفاقية ثم المواقف العربية الأخرى الرسمية والشعبية التي بدأت تعبر عن رأيها الصريح في هذه الاتفاقية والتي آخرها البيان الرسمي الذي صدر عن الجزائر هذا بجانب عدد كبير من الأصدقاء في العالم مما يشعر الفلسطينيين شعبا وثوارا أنهم ليسوا بمفردهم يواجهون التحدي الصهيوني الامبريالي الأميركي ولكن معهم جماهير الأمة العربية من المحيط إلى الخليج وقواها الوطنية ومع الأصدقاء والحلفاء في العالم.

س- هل تعتقدون أن الظروف مؤاتية الآن لإعلان حكومة ثورية موقته للشعب الفلسطيني؟

ج- كما قلت في السابق فان الحكومة الثورية الموقتة هي قرار تتخذه القيادة الفلسطينية عندما تشعر هذه القيادة أن هذه الخطوة من الممكن أن تخدم مسيرتها النضالية المسلحة وذلك بعد التشاور عبر مؤسساتها التنفيذية والتشريعية وقواعدها الثورية وبالتشاور مع الأصدقاء والأشقاء.

س- كيف ترون العمل في داخل الأرض المحتلة وإمكانية تصعيده؟ وما هي رؤياكم للوحدة الوطنية الفلسطينية في هذه المرحلة؟

ج- في الثامن والعشرين من أغسطس آب الماضي صرح موردخاي غور رئيس الأركان الصهيوني بأن الاتفاق المصري الإسرائيلي في سيناء سيمكنه من تخفيض فترة الاحتياط في جيش العدو.

وبعد عشرة أيام من هذا التصريح صرح شمعون بيريس وزير الدفاع بأنه يأسف لأنه لا يستطيع تنفيذ ذلك بسبب ازدياد وتوقع ازدياد العمليات العسكرية للثورة الفلسطينية في أرضنا المحتلة .

وقد اعترف العدو بهذا النشاط المتزايد لثوارنا عبر تصريحات قادته ولا بد أن نشير هنا إلى انه بجانب التصعيد العسكري في أرضنا المحتلة هناك نشاط جماهيري واسع وراءه وصل حتى أسرانا ومعتقلينا داخل سجون العدو وبالإضافة لذلك فنحن حريصون على تدعيم وحدتنا الوطنية الفلسطينية انطلاقا من المقولة التي نؤمن بها بندقية تضاف إلى الألف بندقية هي قوة في مسيرة الثورة العظيمة .

وان الوحدة هي شرط من شروط انتصار الثورات وقد اتخذ مجلسنا المركزي توصية بهذا الخصوص وتوجهت في خطابي أثناء احتفال شعبنا في اليونسكو بمناسبة تقليده وسام جوليات كوري من مجلس السلم العالمي إلى كل الثوار والفصائل والقوى الفلسطينية من اجل دعم وحدتها وتلاحم صفوفها عبر حوار ديمقراطي بناء هو احد الأسس التي تقوم عليها تقاليدنا الثورية التي نعتز ونفتخر بها.

وهنا لا بد أن اذكر أهمية وحدة القوى العربية في الجبهة الشمالية كما أشار إليها بيان المجلس المركزي واللجنة التنفيذية الأخير الذي دعا إلى موقف فلسطيني سوري عراقي واحد يستقطب كافة القوى العربية الأخرى في مواجهة العدو الصهيوني الجاثم على أرضنا والامبريالية العالمية المتربصة بأمتنا العربية.

وتأتي العلاقة المتلاحمة السورية الفلسطينية القوية كحجر أساس لهذه الدعوة المباركة.

س- كيف تنظرون إلى علاقة الثورة الفلسطينية بالقوى الوطنية والتقدمية اللبنانية؟

ج- لا بد أن أشير هنا إلى أهمية هذه العلاقة المصيرية والإستراتيجية التي تربط الثورة الفلسطينية مع القوى الوطنية والتقدمية والجماهير اللبنانية والتي أثبتت من خلال تلاحمها مع الثورة أنها قادرة على أن تكسر بصخرة هذا التلاحم جميع المؤامرات التي تحاك ضد الثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني وضد لبنان وأمنه واستقراره.

ويكفي الفلسطينيين واللبنانيين فخرا بالرغم من كل الأيادي المشبوهة والخفية التي تحاول تعكير هذه المواقف يكفيهما فخرا إنهما يتصديان الآن وبمفردهما لعجلة الحرب الإسرائيلية من خلال هذا المسلسل اليومي لأعمال العدوان العسكرية الجوية والبرية والبحرية والتي شملت جنوب لبنان وشماله وشرقه ومعظم المخيمات الفلسطينية وهي ضريبة تدفع نيابة عن الأمة العربية جميعها وأروع ما فيها أنها تجابه بهذا الصمود الأسطوري والتلاحم الفذ بين الجماهير اللبنانية والفلسطينية وتعطي أمثولة رائعة في كيفية الصمود والتعامل مع هذا العدو الغازي لأرضنا العربية.

والأمة العربية مطالبة أمام هذا بمسؤوليات أساسية على جميع المستويات لمواجهة هذا الواجب القومي والوطني الذي تضطلع به هذه الجماهير الفلسطينية واللبنانية المتلاحمة.

س- هل من شيء تودون توجيهه إلى جماهير الشعب في الكويت؟

ج- أنا أقول لجماهيرنا في الكويت وأنا انظر للحركة الجماهيرية هناك نظرة خاصة لخصوصيتها ولموقعها في الخليج العربي بأن عليها مسؤوليات أساسية في مواجهة هذا الصراع والتحدي الحضاري الذي يواجه امتنا العربية ولمواجهة الغزوة الصهيونية الامبريالية.

وهو واجب تاريخي ووطني وقومي ولي ثقة كبيرة نابعة من إيماني العظيم بهذه الأمة العربية الخالدة وتراثها العريق وإيمانها الزاخر فالتاريخ يرقب ويسجل فعلينا أن نناضل من اجل أن تكون كلماتنا مكتوبة بأحرف من نور ونار.


(وفا، ملحق خاص، بيروت، 15/9/1975، ص1)