كلمة ياسر عرفات في مهرجان الشعر الدولي الرابع المنعقد في القدس 1997

2016-01-14

السيدات والسادة

الادباء والكتاب والمبدعون

الشعراء والشاعرات

الضيوف والحضور الكرام

تحية طيبة وبعد

بداية انه لمن دواعي بهجتنا وسعادتنا ان نتوجه إليكم بإسم الشعب الفلسطيني وبإسم منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية وبإسمنا شخصيا بأسمى معاني التحية والتقدير مرحبين بكم ضيوفا كراما تحلون على وطننا وراجين لمهرجانكم مهرجان الشعر الدولي الرابع الذي تناديتم لانعقاده في مدينة القدس مدينة السلام كل التوفيق والنجاح.

ان انعقاد مهرجان الشعر بمبادرة من رابطة القلم الفلسطيني تحت شعار الادب من اجل الحرية والسلام ليوحي لقاىء هذه العبارة بدلالة مفادها بان الادب سيكرس للدفاع عن الحرية والسلام مثل هذا الفهم يقود بلا مواربة الى الحديث عن الالتزام والادب والشعر الملتزمين ولكن عن اي التزام نتحدث؟ فالالتزام نجد منه الوانا والوانا غير ان من وضعوا الشعار لمؤتمركم حددوا التزام الادب بقيمتين انسانيتين ساميتين هما: الحرية والسلام هما ولا ريب من اسمى القيم الانسانية التي لا يمكن للابداع الذي يريد لنفسه البقاء والخلود الا ان يتشبث بهما ويدافع عنهما ولكم دفع الشعراء والمبدعون من حياتهم في سبيلهما الكثير بداءا من الشاعر الاسباني العظيم فيديريكو غارسيا لوركا وانتهاء بشاعرنا الفلسطيني المرحوم راشد حسين ولعلها من المفارقات العجيبة ان كلا منهما لا يعرف لقبره مكان فوحد بينهما مصيرهما الواحد وتوقهما للحرية والسلام وشغفهما بالكلمة الشعرية الموحية والمعبرة فكان الثمن الباهظ ان دفعا حياتهما على مذبح هاتين المعشوقتين فلنناضل جميعا حتى لا تتكرر هذه التراجيديا للشعر والشعراء مرة اخرى وحتى تبقى الكلمة الحرة النبيلة السامية الشفافة سيفا مسلطا في وجه اعداء الحرية والسلام.

وتدركون ايها الاصدقاء والضيوف والاخوة والاخوات وانتم تعقدون مؤتمركم الشعري هذا ان هاتين القيمتين هما ما يتطلع اليهما شعبنا الفلسطيني فمنذ قرن من الزمان وهو يخوض كفاحه الوطني من اجل نيل حريته واستقلاله وسيادته لكي يعيش بسلام على ارض وطنه.

ولا يخفى عليكم ما تمر به عملية السلام من مأزق خطير بسبب السياسات التعسفية والممارسات العدوانية والاجراءات العقابية الجماعية التي تتبعها الحكومة الاسرائيلية ضد شعبنا الفلسطيني والمتمثلة في الاغلاق والحصار الاقتصادي وحجز وتجميد الاموال المجيبة من الضرائب والجمارك التي يدفعها ابناء شعبنا والمستحقة للسلطة الوطنية الفلسطينية في البنوك الاسرائيلية هذا الى منع منتوجاتنا من التصدير للخارج وتعطيل حرية الحركة والتنقل بين غزة والضفة الغربية واغلاقهما وعزل المدن والقرى الفلسطينية عن بعضها البعض فيما يسمى بالاغلاق الداخلي واقامة الحوجز في كافة المناطق الفلسطينية والتنكيل بالمواطنين الفلسطينيين ولا زالت تتمادى في هدم البيوت الفلسطينية ومصادرة الاراضي واقامة وتوسيع المستوطنات عليها ضاربة عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية وشرعة حقوق الانسان واتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين زمن الحرب والاتفاقيات المبرمة بيننا ومبرجعية عملية السلام ومبدا الارض مقابل السلام .

وتعلمون كذلكبأن السلام سلام الشجعان هو خيارنا الاستراتيجي الثابت الذي لا رجعة عنه والذي سنبقى نعمل من اجل تحقيقه وبما يضمن لشعبنا الفلسطيني حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف في الحرية والعودة وتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

وإننا نهيب بكم ايها الشعراء والادباء والكتاب عمل جل ما بوسعكم ومعكم وكل محبي الحرية والعدل والسلام والديمقراطية في العالم لحمل الحكومة الاسرائيلية على الالتزام الدقيق والامين بتنفيذ كافة الاستحقاقات المترتبة عليها والاحترام لقرارات الشرعية الدولية والمواثيق والاعراف الدولية حتى يتسنى لنا اقامة السلام الشامل والعادل والدائم.

وان فلسطين التي تحلون ضيوفا على ارضها وتجتمعون في القلب منها في مدينة القدس عاصمتها الابدية وكان لها ولا زال باع طويل في الابداع الادبي والشعري والفكري عبر العصور ولم تتوقف حركة الابداع الشعري فيها في كل الازمان وان كانت قد مرت ببعض الركود في حقبة ما إلا انها مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين شهدت نهضة ادبية وشعرية اخذت تنمو وتزدهر ولا زالت حتى اليوم تمضي في تألقها مانحة حركة الشعر العربي الحديث والمعاصر الشعر العالمي اسماء لامعة تحظى باحترام وتقدير كبيرين ولن اشير الى تلك الاسماء فهي غنية عن التعريف وانتم معشر الشعراء والادباء ادرى بها وتعرفونها.

ونحن اذ نرحب بكم في وطننا فلسطين لننظر بالكثير من التقدير ولنتاجاتكم وابداعاتكم الشعرية والادبية مؤمنين بأهمية بل وضرورة التلاقح الثقافي والحضاري بين الشعوب والثقافات والامم ولما في ذلك من اثر وتنوير للنفوس والعقول وخدمة لقيم السلام والحرية والعدل والتفاهم وحينما نرجع بذاكرتنا الى الوراء تلمع في الذهن مقولتان نتفق مع احداهما وهي ان " الشعر ديوان العرب" ونختلف مع الاخرى والتي تقول " اعذب الشعر اكذبه" بل نقول بان "اعذب الشعر اصدقه"  وحينما نتحدث عن الصدق فإننا نعني بذلك الصدق الفني  والذي يعبر عن مشاعر المبدع واحاسيسه ورؤاه وآماله واشجانه وافراحه واتراحه وتطلعاته وتوقه المتجدد للحرية والسلام والحياة الافضل وهذه القيم كلها يشاطره اياها القراء والمتلقون وعلى اختلاف مشاربهم ومستوياتهم الثقافية والفكرية بل وأحسب ان الشاعر والمبدع الحق هو ذاك الذي تتماهى صورته في صورة المجموع دون ان تضمحل او تذوب فيها وأنما تحافظ على توهجها وبريقها وجاذبيتها وخصوصيتها وبقائها خالقة بذلك نوعا من جدلية التوحد والتفرد في آن واحد معا واذا كانت الحياة كلها تقوم على التضاد والتناقض والتأرجح ما بين الثابت والمتحول فإن الحرية والسلام هما قيمتان ثابتتان لا يغيرهما التحول والزوال وتبقيان تاجا يزين جبين كل ابداع ومبدع اصيل.

وفي الختام نجدد ترحيبنا بكم متمنين لمهرجانكم التوفيق والنجاح ولكل منكم المزيد من الابداع الشعري الخلاق من اجل الحرية والسلام وكرامة بني الانسان.

وتفضلوا ايتها السيدات والسادة بقبول امنياتي لكم بالصحة والسعادة والتوفيق مقرونة بصادق مودتي واعتباري آملين ان نحتفل بملتقاكم الشعري الخامس ونحتفي بكم في العام القادم وقد نعم شعبنا الفلسطيني بالحرية والسيادة والسلام على ارض وطنه وطن المحبه والحضارة والسلام.