كلمة ياسر عرفات في مؤتمر وزراء خارجية عدم الانحياز في نيودلهي

2016-01-14

السيد رئيس وزراء الهند

السيد رئيس المؤتمر وزير الخارجية

اصحاب المعالي والسعادة رؤساء واعضاء الوفود

السيدات والسادة

اسمحوا لي ان احيي السيد ديفي جاودا رئيس وزراء الهند على حضوره هذه الجلسة الخاصة حول فلسطين وان اشكره بإسم الشعب الفلسطيني على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وعلى مواقف الدعم الثابتة والمتواصلة والدافئة التي تقفها الهند الصديقة حكومة وشعبا مع النضال العادل الذي يخوضه شعبنا من اجل استعادة وممارسة حقوقه الوطنية الثابتة وفي مقدمتها حقه بالعودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

ويسرني ونحن نجتمع من جديد على ارض الهند الصديقة ارض الحضارات والتسامح وفي رعاية حركتنا الرائدة ان نستذكر الدور القيادي البارز الذي قدمته الهند وقادتها العظام الى جانب القادة الكبار في افريقيا وآسيا وامريكيا اللاتينية من اجل بناء هذه الحركة واطلاعها بدورها في مناهضة الاستعمار والاحتلال والتمييز العنصري وفي دعم الشعوب من اجل تحررها واستقلالها وبناء اقتصادها الوطني وضمان التقدم والرفاهية لشعوبها مؤكدين على دور حركتنا الهام في مواجهة المتغيرات والمستجدات الدولية وفي تأمين دور فاعل لها في صنع المستقبل في ظل النظام العالمي الجديد وحتى لا يكون هذا النظام على حساب شعوبنا وإنما نكون فيه كحركة عدم انحياز فاعلين في رسم سياسته من اجل مستقبل بلداننا وشعوبنا.

كما اتوجه بالتحية والاكبار الى السيد كوفي عنان السكرتير العام للامم المتحدة على حضوره هذا الاجتماع لدول عدم الانحياز والذي يعتبر احد القادة الكبار لحركتنا وهو في موقعه الحالي في الامم المتحدة.

اصحاب المعالي والسعادة

السيدات والسادة

يشرفني ان اتقدم اليكم جميعا بالشكر والتقدير العميق لاتاحة الفرصة لي لمخاطبتكم مباشرة ووضعكم في صورة التطورات السياسية الخطيرة التي تمر بها قضية الشعب الفلسطيني وكذلك عملية السلام في الشرق الاوسط.

لا شك أنكم ايها الاخوة الاصدقاء في حركة دول عدم الانحياز الرائدة التي نعتز بالانتماء اليها تتابعون عن كثب وباهتمام كبير تداعيات الاوضاع الخطيرة والمأساوية التي يمر بها الشعب الفلسطيني وما آلت اليه عملية السلام في المنطقة من مأزق وازمة خطيرة تهددها بالانهيار التام وبتقويض ونسف كل الآمال والمنجزات التي تحققت في ظلها وذك جراء استمرار سياسات ومواقف حكومة اسرائيل الحالية التي تستند الى غطرسة القوة والتعنت والاملاءات وفرض الامر الواقع والتي تتمثل في تكثيف ودعم وتمويل النشاطات الاستيطانية اليهودية الجارية على قدم وساق وفي كافة المناطق الفلسطينية وتقييد حرية حركة المواطنين والعمال الفلسطينيين والبضائع والمنتجات الزراعية من والى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية.

بالاضافة الى ذلك فإن الحكومة الاسرائيلية تواصل تنكرها لعملية السلام وللمرجعية التي قامت عليها هذه العملية ألا وهي مبدأ الارض مقابل السلام وفق قراري مجلس الامن 242و338 وكما ان  حكومة اسرائيل تسعى الى استبدال الاسس والمفاهيم التي استندت اليها مسيرة السلام منذ انطلاقتها في مدريد بأسس ومفاهيم وتفسيرات غريبة لا تمت الى عملية السلام بصلة هذا الى جانب رفضها تنفيذ الالتزامات المترتبة عليها في الاتفاق الانتقالي واستمرارها في انتهاك بنود الاتفاقات الموقعة بيننا وخاصة مصادرة الاراضي والاستيطان وعدم تنفيذ الانسحاب من الاراضي الفلسطينية وعزل القدس وتهويدها فهي تتهرب وتماطل في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في واشنطن والقاهرة تحت حجج وذرائع واهية لا تتفق مع مناخ وروح السلام الذي نعمل من اجله الامر الذي يتعارض تماما مع الاعراف والقوانين الدولية ومع قرارات الشرعية الدولية وكافة الاتفاقات المبرمة.

ان السلام في المنطقة كلها في خطر ومهما تم تقديمه من تبريرات فإنه من المؤسغ ان تستغل الحكومة الاسرائيلية استعمال الولايات المتحدة لحق النقض الفيتو مرتين في مجلس الامن للاستمرار في عدوانها وتحديها للشرعية الدولية.

أصحاب المعالي والسعادة

أيتها السيدات، أيها السادة،

إن ما تشهده الأرض الفلسطينية من ممارسات إسرائيلية، وإجراءات أمنية مشددة، وحشودات عسكرية حول المدن والتجمعات الفلسطينية، هو بمثابة إعلان حرب ليس على الشعب الفلسطيني فقط، بل على عملية السلام، وكذلك على كل المؤمنين بهذا السلام وكذلك على كل المؤمنين بهذا السلام والحريصين على تقديمه ونجاحه في المنطقة وفي هذا السياق فإن الحصار الاقتصادي والعقاب الجماعي المفروضين على شعبنا وعلاوة على تناقضمها مع مبادىء ونصوص اتفاقات السلام فهما يشكلان كارثة للاقتصاد الفلسطيني الناشىء وتتراوح خسائرنا اليومية بين سبعة وتسعة ملايين دولار يوميا ان هذا الرقم يشكل ثلاثة اضعاف المبلغ الذي تقدمه مشكورة الدول المانحة للشعب الفلسطيني ويترافق مع هذا كله قيام الحكومة الاسرائيلية بهجمة استيطانية شاملة بهدف تهويد القدس وتفريغها من سكانها وقطع اوصالها وعزلها عن محيطها الفلسطيني وتحويل الارض الفلسطينية الى كانتونات تدور في الفلك الاسرائيلي .

ان هذه السياسة سوف تنسف عملية السلام من جذورها لأننا قمنا بالمشاركة كوفود عربية في مؤتمر مدريد للسلام على اساس مبدأ الارض مقابل السلام سلام الشجعان ولكن الحكومة الاسرائيلية ترفض اليوم هذه الاسس وتريد الامة العربية مع دول عدم الانحياز ومع العالم على حسابنا كشعب فلسطيني وعلى حساب ارضنا ومقدساتنا ان حكومة اسرائيل الحالية ترفض سلام الشجعان الذي وقعناه في البيت الابيض تحت رعاية الرئيس كلينتون.

ان المادة الخامسة من اتفاق اوسلو ايلول /1993 تتضمن نصا صريحا بعدم المساس بوضع القدس في المرحلة الانتقالية هذا الى جانب قرارات الامم المتحدة والشرعية الدولية الخاصة بها وكذلك كتاب الضمانات الامريكي المقدم لنا في مؤتمر مدريد للسلام والذي يمنع اجراء اي تغييرات ديمغرافية  في الاراضي الفلسطينية وفي القدس من طرف الاسرائيليين في المرحلة الانتقالية وهذا النص الصريح يلزم حكومة اسرائيل بعدم القيام باي اجراء منفرد منذ لحظة التوقيع على هذا الاتفاق ان تغيير الوضع في القدس بالمصادرة والحفر والهدم واقامة المستوطنات يعد مخالفا لالتزام اسرائيل الذي وقعت عليه في اوسلو وعليه فان النشاطات الاستيطانية في جبل ابو غنيم بمدينة القدس الشرقية المحتلة عام 67 تعتبر باطلة ولاغية ولكن حكومة اسرائيل لا زالت تصر على الاستمرار في عمليات مصادرة الاراضي والممتلكات الفلسطينية وشق الطرق الالتفافية وتكثيف النشاطات الاستيطانية في مدينة القدس والاراضي الفلسطينية .

وفي هذا الاطار فإن قرار الحكومة الاسرائيلية ببناء مستوطنة جديدة في جبل ابو غنيم الواقع في القدس الشرقية المحتلة وفي غيرها من الاماكن الفلسطينية الاخرى ويعتبر تحديا صارخا لارادة المجتمع الدولي وانتهاكا فاضحا لقرارات الشرعية الدولية ولقرارات حركة عدم الانحياز ومنظمة الوحدة الافريقية ومنظمة المؤتمر الاسلامي والقمم العربية ولكافة الاتفاقات المبرمة ان قرارات القمة الاسلامية في اسلام اباد وقرارات لجنة القدس في مدينة الرباط وقرارات وزراء الخارجية العرب في القاهرة وقرارات الجامعة العربية كلها تؤكد ادانة الامة العربية والاسلامية ودول عدم الانحياز والعالم كله لهذه الاجراءات الخطيرة انني اريد ان اشير بصراحة ومسؤولية الى ان هذه الانتهاكات الاسرائيلية في القدس تعتبر اعتداء على مشاعر المؤمنين من مسيحين ومسلمين نظرا لمكانة القدس الدينية واهميتها الحضارية الحضارية والتاريخية .

ان هذا القرار يهدف الى عزل مدينة القدس واقامة مدينة بديلة لمدينة بيت لحم خاصة واننا نستعد في مدينة بيت لحم مدينة المهد للاحتفال بمرور الفي عام على ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام.

انه من المحزن جدا ان يأتي هذا القرار وتلك الاجراءات الاسرائيلية الاخرى لتبدد وتنسف الامال الكبيرة التي نشات عقب بروتوكول تنفيذ اتفاق الخليل الذي تم التوصل اليه اثر جهود مكثفة  ومفاوضات صعبة وشاقة  علاوة على ذلك فإن قرار الحكومة الاسرائيلية المتعلق بإعادة الانتشار والانسحاب من 2% فقط من المنطقة (ج) في الضفة الغربية ليش إلا خديعة ومؤامرة ضد السلام الامر الذي ادى الى تأزيم وتفاقم الوضع واسهم في خلق اجواء التوتر وعدم الاستقرار واستمرار خرق حكومة اسرائيل للاتفاقات الموقعة ورفضها الالتزام بتنفيذ ما ترتب عليها من استحقاقات في الاتفاق.

ايتها السيدات ايها السادة

الاخوة الاصدقاء

ان حرصنا على استمرار مسيرة السلام على كافة المسارات العربية الاخرى وخاصة المسارين السوري واللبناني ولإنقاذ العملية السلمية من المأزق الخطير الذي آلت اليه بسبب هذه السياسات والمواقف الاسرائيلية المتعنتة دفعنا لدعوة كافة الاطراف الموقعة والشاهدة على اتفاقات السلام للمشاركة في المؤتمر الدولي الذي عقد في غزة في الشهر الماضي من اجل مساعدتنا في ايجاد افضل السبل والآليات لإخراج هذه العملية من المأزق الخطير واعادتها الى مسارها الصحيح.

وكما هو معلوم فإن هذا الهدف لن يتحقق إلا بالتزام اسرائيل بمرجعية عملية السلام والتنفيذ الدقيق والامين لكافة بنود الاتفاق المرحلي الفلسطيني الاسرائيلي والتوقف عن مصادرة الاراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات اليهودية فيها وانهاء اجراءات الاغلاق والحصار لمناطق السلطة الوطنية الفلسطينية الى جانب الكف عن سياسة الاملاءات وفرض الامر الواقع لتحديد ورسم خريطة الحل النهائي من جانب واحد.

وفي ضوء هذه التطورات والتداعيات الخطيرة التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط وما لها من تأثير بالغ على الامن والسلم العالمي فإننا نواصل بذل كل جهد ممكن لإنقاذ عملية السلام وفي القمة الاسلامية في اسلام اباد واجتماع لجنة القدس في الرباط والاجتماع الوزاري لجامعة الدول العربية في القاهرة تم اتخاذ القرارات  والتوصيات الهامة التي تدعم وتؤيد الموقف الفلسطيني العادل وتطالب الحكومة الاسرائيلية بالتوقف فورا عن بناء المستوطنات وخاصة في مدينة القدس وايقاف محاولة تهويدها والالتزام بتنفيذ الاتفاقات المبرمة واحترام مرجعية عملية السلام كما تدعو هذه القرارات الدول الشقيقة والصديقة التي شرعت في اقامة علاقات مع اسرائيل الى ربط التقدم في هذه العلاقات بمدى التزام اسرائيل بقرارات الامم المتحدة وتنفيذ الالتزامات والتعهدات المترتبة عليها في الاتفاقات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية والمسارات العربية الاخرى انه من هذا المنطلق منطلق ضرورة انقاذ عملية السلام فإننا نأمل بتضافر جهودكم معنا من اجل اتخاذ قرار في الجمعية العامة في الامم المتحدة تحت بند الاتحاد من اجل السلام United for peace مناشدا كافة الدول الاعضاء اتخاذ الترتيبات اللازمة للرد السريع على رسالة الامين العام للامم المتحدة حول ضرورة واهمية عقد الجلسة الخاصة الطارئة للجمعية العامة للامم المتحدة في اقرب فرصة ممكنة

السيدات والسادة

الاخوة والاصدقاء

انطلاقا من هذه التوجهات لإنقاذ عملية السلام فإننا نهيب بكم جميعا كأعضاء في حركة دول عدم الانحياز مثلما نهيب بكافة الشعوب المحبة للسلام لدعمنا في هذه المرحلة الحساسة واستمرار تقديم الدعم والتأييد اللازم لجهود منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية الهادفة لاعادة عملية السلام الى مسارها الصحيح واتخاذ وتبني القرارات والتوصيات الضرورية لدعم عملية السلام التي تكفل للشعب الفلسطيني انهاء الاحتلال الاسرائيلي لأرضه ومقدساته واستعادة وممارسة الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف هذا السلام الذي يعيد كذلك للشعبين الشقيقين السوري واللبناني اراضيهما المحتلة في الجولان وفي جنوب لبنان .

إنني من على هذا المنبر أقول لاخوتنا واصدقائنا في دول عدم الانحياز والممثلين هنا بالوفود المشاركة بأن القدس الشريف وما حولها هي امانة وضعها الله سبحانة وتعالى في اعناق كل المؤمنين وكل محبي العدل والسلام في العالم وان انقاذها من غول الاستيطان وخطر التهويد الكامل هي مسؤولية عالمية شاملة فالقدس هي جوهر القضية الفلسطينية ومقتاح السلم والحرب في المنطقة وهي في وجدان وضمير كل المؤمنين في العالم بوالتالي لا سلام ألا بعودة القدس الشريف الى اصحابها الشرعيين عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة ولا سلام مع الاستيطان الذي يبتلع الارض الفلسطينية والعربية ويحولها الى كانتونات معزولة عن بعضها البعض.

لذا فإنني ايها الاخوة الاصدقاء اناشدكم ثانية استخدام كل ما لدى حكوماتكم ودولكم الشقيقة والصديقة من امكانات وتأثير من اجل انقاذ عملية السلام سلام الشجعان من هذا المأزق الذي دفعته اليه حكومة اسرائيل الحالية وكذلك توفير كل الدعم السياسي والمادي والمعنوي للشعب الفلسطيني المرابط في ارض وطنه امام هذه الهجمة الخطيرة.

وفي الختام اسمحوا لي ايها الاخوة والاصدقاء ان اتوجه بالشكر والتقدير العميق لجمهورية الهند الصديقة رئيسا وحكومة وشعبا على دعمها المتواصل لشعبنا ونضاله العادل والتي تستضيف هذا المؤتمر على هذه الارض الطيبة للشعب الهندي الصديق كما توجه من خلالكم بالشكر والتقدير الكبير الى حكوماتكم ودولكم الشقيقة والصديقة التي تقف باستمرار الى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقوقه المشروعة كلنا امل وثقة بأن تتكلل اعمال اجتماعكم الوزاري هذا بالنجاح لما فيه خدمة حركتنا الرائدة والدفاع عن مبادئها السامية ولتحقيق اهدافها النبيلة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته