كلمة ياسر عرفات في القمة الاسلامية في الباكستان 1997

2016-01-14

بسم الله الرحمن الرحيم

"سبحان الذي اسرى بعباده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله "

صدق الله العظيم

الاخوة اصحاب الجلالة والفخامة والسمو

اصحاب السيادة والمعالي

الاخوة رؤساء واعضاء الوفود المحترمين

ايتها الاخوات ايها الاخوة

ارجو ان تسمحوا لي في البداية ان اتوجه باسم الشعب الشعب الفلسطيني وباسمي شخصيا الى فخامة الاخ الرئيس فاروق احمد خان ليجاري والى حكومة وشعب جمهورية باكستان الاسلامية الشقيقة بأطيب التهاني القلبية والاخوية بمناسة احتفال شعب الباكستان الشقيق بمرور خمسين عاما على اعلان جمهورية الباكستان الاسلامية معربا لكم يا فخامة الاخ الرئيس ولشعبكم الشقيق عن بالغ اعتزازنا وتقديرنا للتضحيات العظيمة التي قدمها شعبكم الشقيق من اجل نيل حريته واستقلاله الوطني ومشيدا في هذه المناسبة السعيدة بالمكانة المرموقة التي يحظى بها بلدكم الشقيق بين بلدان العالم وبالدور البارز والمميز الذي قمتم وتقومون به من اجل تحقيق اهدافنا السامية في دعم العمل الاسلامي المشترك والحفاظ على وحدة امتنا الاسلامية والدفاع عن قضاياها العادلة والذود عن مقدساتها ومصالها الحيوية.

ويطيب لي يا فخامة الاخ الرئيس ان اتوجه بعظيم شكرنا وتقديرنا الكبير لجمهورية الباكستان الاسلامية حكومة وشعبا لاستضافتها مؤتمر القمة السلامية في دورته الاستثنائية هذه وللجهود البناءة والمثمرة التي بذلتموها من اجل انجاح هذه القمة معربا لفخامتكم مجددا عن اعتزازنا وتقديرنا العميق لحفاوة الاستقبال الاخوي الحار في رحاب بلدكم الشقيق ولكرم الضيافة التي غمرتمونا بها.

الاخوة رؤساء واعضاء الوفود

ايتها الاخوات ايها الاخوة

احييكم بتحية الاسلام تحية المحبة واسلام تحية القدس الشريف اولى القبلتين وثالثل الحرمين الشريفين قدس الاقداس ومسرى النبي محمد صلوات الله عليه وسلامه ومهد سيدنا المسيح عليه السلام . احييكم باسم شعبها العربي الفلسطيني وباسم اولئك الرابضين في اكنافها القابضين على ترابها ومقدساتها والصابرين الذين هم في رباط الى يوم الدين.

الاخوة رؤساء الوفود

ايتها الاخوات ايها الاخوة

كما تعلمون فان هذه القمة الاسلامية الاستثنائية التي يتزامن انعقادها مع الاحتفال باليوبيل الذهبي لاعلان استقلال جمهورية الباكستان الاسلامية الشقيقة هي بالتاكيد على درجة كبيرة من الاهمية نظرا للاحداث والتطورات المتلاحقة على الساحيتن الاسلامية والدولية وبسبب التحديات الخطيرة التي نواجهها في كافة الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية . في ظل النظام العالمي الجديد وحتى لا نكون ضحايا لهذا النظام ولكن مشاركين في صنعه وصياغته.

 السادة رؤساء الوفود

ايتها الاخوات ايها الاخوة

لا شك انكم تتابعون معنا تلك التطورات الخطيرة التي اصابت عملية السلام والتي ادت الى مازق خطير بوقفها ونسف منجزاتها والاطاحة بكل الامال التي انبعثت معها فما ان اثمرت الجهود الجبارة في توقيع بروتوكول الخليل حتى فوجئنا بقرارات الحكومة الاسرائيلية بشأن مؤامرة عزل القدس وتهويدها وبناء المستوطنات الجديدة داخلها وحولها وحديعة مؤامرة اعادة الانتشار في الضفة الغربية الذي لم يتعدى اكثر من 2% من  المساحة التي ما تزال واقعة تحت الاحتلال بالاضافة الى اغلاق مطارنا الدولي واغلاق الممر الامن بين الضفة وغزة والمعابر الدولية والميناء والتي رفضت من جانبنا كلية في الوقت الذي عمدت الحكومة الاسرائيلية اسلوب المماطلة والتسويف والتهرب من تنفيذ التزاماتها طبقا للاتفاقات الموقعة لارضاء الاحزاب الدينية الاسرائيلية المتطرفة والمعادية لعملية اسلام ولحقوق الشعب الفلسطيني. وقد أدت هذه السياسة المتعنتة الى تجميد المفاوضات على المسارين السوري واللبناني واسهمت في تأزم الوضع وزيادة حدة التوتر وتعثر المفاوضات بشكل خطير على المسار الفلسطيني.

ان قرار البناء الاستيطاني الجديد في القدس الشريف ليأتي في سياق مخطط متعمد لتهوديها كما يهدف الى عزلها عن الضفة الغربية من جهة والى فصل شمال الضفة عن جنوبها من جهة ثانية ولايجاد بديل عن مدينة بيت لحم واقامة عازل بينها وبين القدس الشريف وانه قرار يهدف الى استباق مفاوضات الوضع النهائي وخلق امر واقع لتدمير عملية السلام برمتها وذلك بنتهاك صارخللاتفاقت الموقعة والالتزامات والضمانات المقدمة بما فيها خطاب الضمانات المريكي الذي قدم لنا في مؤتمر مدريد للسلام وكذلك القرارات الشرعية الدولية التي صدر اخرها قبل ايام عن الجمعية العامة للامم المتحدة في تحد واستخفاف لمشاعر المؤنين الملسمين والمسيحيين ولارادة المجتمع الدولي بأسره. وللأسف جاء الفيتو الامريكي ليشجع اسرائيل على استمرار عدوانها وتحديها للشرعية الدولية.

ان القدس مدينة السلام وهي مفتاح السلام العادل والدائم والشامل الذي ننشده ولن يتحقق هذا السلام دون عودة القدس العربية المحتلة الى اهلها عاصمة للدولة الفلسطينية فالقدس هي فلسطينية عربية اسلامية مسيحية. وهي اهم بنود هذه القمة وجميع المؤتمرات والقمم والاسلامية بل نذكر كذلك بهذا الخصوص وكذلك قرارات القمم والمؤتمرات لدول عدم الانحياز والدول الافريقية والقمم والعربية.

اما من حيث اعادة الانتشار تلك الخديعة التي اعلنتها الحكومة الاسرائيلية والذي لم يتجاوز 2% من مساحة الارض التي ما زالت تحت الاحتلال فهو يشكل انتهاكا لما تم الاتفاق عليه من حيث انه يأتي في نفس سياق سياسة الاملاء وفرض الامر الواقع مما فاقم من خطورة الاوضاع وخاصة ان هذه الخطوة تأتي ضمن سلسلة طويلة من الانتهاكات والخروقات الاسرائيلية لنصوص الاتفاقات المبرمة والتي لم تعد خافيى على احد خاصة ان الحصار لا زال مفروضا من الحكومة الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني ونخسر يوميا نتيجة لذلك الحصار اكثر من سبعة ملايين دولار وهي خسائر تعادل اضعاف ما تقدمه مشكورة الدول المانحة لنا.

الاخوة اصحاب الجلالة والفخامة والسمو

الاخوة اصحاب السيادة والمعالي

ان سعينا لانقاذ عملية السلام واعادتها الى مسارها الطبيعي لمستمر ومتواصل ولكن استمرارها وتقدمها بحاجة الى شراكة حقيقة وصادقة وهذه الشراكة تتوقف على صدق وحسن نوايا الحكومة الاسرائيلية والتزامها بالاتفاقات المبرمة نصا وروحا واذ لا يمكن مواصلة الجهود والعمل من اجل السلام مع استمرار الاستيطان وسياسة الاملاء ومصادرة الارض وفرض الامر الواقع والتي تنتهجها الحكومة الاسرائيلية الحالية والتي تسببت في الحاق الضرر بشعبنا الفلسطيني من جراء الحصار والاغلاق والعقاب الجماعي والخنق الاقتصادي مما ادى الى الحاق افدح الخسائر بالاقتصاد الفلسطيني الناشىء والى تدهور الظروف المعيشية الصعبة للشعب الفلسطيني وكذلك خرق الاتفاقات والاصرار على تجاهل قرارات الشرعية الدولية ونسف عملية السلام من جذورها.

لقد ذهبنا كوفود عربية الى مؤتمر مدريد للسلام على اساس مبدأ الارض مقابل السلام سلام الشجعان ولكن الحكومة الاسرائيلية ترفض هذه المقولة وتريد الامن والسلام معنا ومع الامة العربية والامة الاسلامية بل وتريد العلاقات مع الدول العربية والدول الاسلامية ومع دول عدم الانحياز ومع العالم على حسابنا كشعب فلسطيني وعلى حساب الامة العربية والاسلامية ومقدساتها في فلسطين والقدس الشريف.

فأي ثقة وأي تعاون يمكن اقامته في ظل مثل هذه السياسة الاسرائيلية المستمدة من لغة الماضي وغطرسة القوة ومنهج الاحتلال البغيض الذي حاولنا طي صفحته بكل صدق وتطلعا منا الى المستقبل والوعود التي يحملها في طياته من كرامة وندية وتعايش وتعاون واستقرار وامن متبادل.

ان الحكومة الاسرائيلية الحالية تتنكر لالتزاماتها تتنكر للمرجعية التي انطلقت على اساسها عملية السلام كما ان الحكومة الاسرائيلية الحالية تصر على تجاوز كافة القيم والمبادىء السلمية السامية وترفض سلام الشجعان الذي وقعناه في البيت الابيض تحت رعاية الرئيس كلينتون ضاربة عرض الحائط بمبدأ الارض مقابل السلام وقرارات الشرعية الدولية الى جانب مواصلة تعنتها تجاه مساري التفاوض السوري واللبناني الامر الذي ادى الى جمود هذه العملية وتبديد الامال بامكانية التوصل الى اقامة السلام سلام الشجعان بمفهومه العادل والدائم والشامل في المنطقة.

السادة رؤساء الوفود

ايتها الاخوات ايها الاخوة

بالرغم من كل هذه العقبات والعراقيل فاننا نواصل سعينا لأنقاذ عملية السلام وقد قمنا بدعوة كافة الدول والاطراف الراعية لعملية السلام والموقعة والشاهدة على الاتفاقيات الانتقالية الى مؤتمر عقد قبل ايام بمدينة غزة لانقاذ عملية السلام واعادتها الى مسارها الطبيعي و واصلنا مساعينا لتتحمل هذه الاطراف مسؤولياتها معنا في تحقيق هذا الهدف النبيل واخراج عملية السلام من المأزق الذي الت اليه الامور.

اننا اذ نتطلع الى تضافر جهود المجموعة الدولية باسرها من اجل العمل على الزام الحكومة الاسرائيلية على احترام تنفيذ الاتفاقات والتعهدات والالتزام بمرجعية عملية السلم فاننا نعول الكثير على قدرات أمتنا الاسلامية وامكاناتها لتكون قوة دافعة وقوة حماية للحق الفلسطيني والعربي والاسلامي والمقدسات الاسلامية في صميم هذه الجهود الرادعة للحكومة الاسرائيلية لوقف تجاوزاتها وخرقها الصريح لبنود اتفاق السلام ولدعم الموقف الفلسطيني العادل ومساندته ولمؤازرة نضال الشعب الفلسطيني في تحقيق الاهداف المرجوة من عملية السلام التي تكفل استعادته وممارسته لحقوقه الوطنية في الحرية وتقرير المصير واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وكذلك العمل على كافة المسارات الاخرى بما فيها المسار السوري والببناني حتى يمكن اقامة السلام العادل والشامل والدائم.

اننا ندرك ما تمثله القدس وقضية فلسطين في ضمير امتنا الاسلامية و وجدانها وعقيدتها فقد بقيت هذه القضية في طليعة قضايا الامة وعلى رأس جدول اعمالها وفي صلب اهتمامها وعنايتها فلا سلام بدون القدس الشريف.

واني من على هذا المنبر اقول لقادة امتنا الاسلامية ولشعوبها ان القدس الشريف وما حولها هي امانة وضعها العلي القدير في اعناقنا وان انقاذها من غول الاستيطان وخطر التهويد والمصادرة هو فرض عين علينا جميعا لذا ادعوكم للعمل الجاد والعاجل لانقاذها وتوفير كافة الامكانيات لتعزيز صمودها والحفاظ على طابعها التاريخي والحضاري والديني واذكركم هنا ما أقدمت عليه الحكومة الاسرائيلية بفتح النفق تحت السور الغربي للمسجد الاقصى المبارك والذي سبب موجة غضب وسخط عمت كافة ارجاء الوطن لدى الشعب الفلسطيني لانه شكل اعتداء صارخا على قبلة المسلمين الاولى وعلى المقدسات الاسلامية والمسيحية ولقد سقط لنا في هذه المواجهات مع الجيش الاسرائيلي اكثر من ألفي شهيد وجريح.

ان الخطر الداهم يدعونا الى الاسراع في مراجعة موقفنا جميعا والعمل على محاصرة السياسة الاسرائيلية العدوانية المتمادية واتخاذ اجراءات توفر مصداقية وفاعلية لدولنا الاسلامية كي لا يشعر الطرف الاخر بأن عاصمتنا الروحية كمسلمين سهلة المنال وممكنة الابتلاع.

انني في النهاية ادعوكم الى تشكيل لجنة خاصة تمثل مؤتمرنا هذا الى وضع الافكار والاقتراحات الملائمة لتفعيل دور مؤتمرنا الاسلامي لمتابعة الموقف خاصة وأننا بصدد اجتماع وشيك للجنة القدس التي لا بد وان تتضافر جهودنا جميعا لانجاحها ودعم الجهود المباركة التي يبذلها رئيسها ورئيس القمة الاسلامية جلالة الملك الحسن الثاني وكذلك الجهود التي يبذلها الرئيس حسني مبارك رئيس القمة العربية والجهود التي يبذلها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد ومعه القادة العرب والمسلمين جميعهم.

اننا ايها الاخوة اما تحد خطير وفي مواجهة مرحلة بالغة القدة انه الامتحان المصيري الذي يستدعي نهضة الامة المقتدرة والقادرة على مجابهة متطلبات هذه المرحلة بكافة استحقاقاتها وباسم الشعب الفلسطيني اناشدكم واناشد ضمائركم بأن تسمو فوق اي خلاف وان نوحد الكلمة والموقف والجهد داعين باخلاص ان يوفقنا المولى سبحانه في انقاذ القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومهد سيدنا المسيح عليه السلام.

"وليدخلو المسجد كما دخلوه اول مرة"

"ان الله لا يخلف وعده"

صدق الله العظيم

السادة رؤساء الوفود

ايتها الاخوات ايها الاخوة

انني اذ اتوجه اليكم مجددا بالشكر والتقدير العميق لما تبذلونه من جهد مخلص من اجل رفعة أمتنا الاسلامية واستمرار تقدم وازدهار بلدانها الشقيقة لأعرب لكم عن أملي وثقتي بأن تتكلل اعمال مؤتمرنا بالنجاح الذي يجسد الاهداف السامية لمنظمة المؤتمر الاسلامي تلك الاهداف المستمدة من روح الاسلام العظيم ومبادئه الانسانية النبيلة.

"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"

صدق الله العظيم

اللهم اني قد بلغت اللهم فاشهد

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته