كلمة ياسر عرفات امام الامم المتحدة بمناسبة مرور خمسين عاما على اقرار الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1997

2016-01-14

معالي السيد فيدريكو مايور المحترم

معالي السيد رئيس المؤتمر العام

معالي السيد رئيس المجلس التنفيذي

السيدات والسادة الحضور والضيوف الكرام

اتوجه اليكم بداية بالشكر العميق على الدعوة الكريمة للمشاركة في اعمل هذا المؤتمر الهام للاحتفال بالذكرى الخمسين لاقرار الاعلان العالمي لحقوق الانسان والذي يعقد وعلى جدول اعماله هم الانسانية الاكبر ألا وهو حق الانسان في السلام ومسؤولياتنا تجاه الاجيال القادمة.

قبل خمسين عاما اقرت الاسرة الدولية الاعلان العالمي لحقوق الانسان في اعقاب الحرب العالمية الثانية وقد حظي الاعلان بالترحيب والتأييد الواسع لدى كافة شعوب الارض التواقة للحرية والاستقلال .فقد كرس الاعلان العالمي لحقوق الانسان المسؤولية الدولية الجماعية لصون وحماية الحقوق الاساسية للشعوب والافراد هذه الحققوق التي ما زالت تتعرض للانتهاكات الصارخة في انحاء شتى من عالمنا المعاصر نتيجة اصرار قوى الاحتلال والعدوان على رفض شرعة حقوق الانسان التي اقرتها الاسرة الدولية لتكون ناموسا للبشرية في القرن العشرين.

ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان والذي تحتفل الانسانية اليوم بمرور خمسين عاما على اقراره يكتسب اهمية تاريخية خاصة بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي يناضل من اجل استعادة وممارسه حقوقه الوطنية الاساسية التي اقرتها كافة الشرائع والقرارات والعهود والمواثيق الدولية وفي مقدمتها الاعلان العالمي لحقوق الانسان.

سيداتي سادتي المحترمين

من المفارقات التاريخية المحزنة انه في الوقت الذي اقر فيه الاعلان الاممي لحقوق الانسان تعرض الشعب الفلسطيني للقهر والظلم والعدوان حيث سلبت واغتصبت ارض وطنه وصودرت حقوقه الانسانية وتعرض للمجازر الوحشية وتم تشريد ابنائه في شتى انحاء العالم حيث يعيشون لاجئين بلا مستقبل في مخيمات المنفى بعيدا عن ارضهم و وطنهم يكابدون اشد انواع المعاناة والحرمان.

وانه لمن المؤسف حقا ان تبقى بنود هذا الاعلان واخص بالذكر منها حق الشعوب في تقرير مصيرها غير قابلة للتطبيق في حالة الشعب الفلسطيني بسبب الظلم التاريخي الفادح الذي وقع عليه جراء تكالب القوى العالمية المتنفذة والمتنافسه في ذلك الوقت والتي لم تأخذ في الحسبان الحقوق الاساسية للشعب الفلسطيني اسوة بباقي شعوب الارض حيث كان همها تقاسم النفوذ لخدمة مصالحها على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه.

وقد تواصل على مدى الاعوام الخمسين الماضية هذا الظلم التاريخي بحق الشعب الفلسطيني واجياله المتعاقبة دون ان يفقد شعبنا الامل بالعدالة الدولية وبالضمير العالمي وثابر بعزيمة لا تلين على النضال من اجل حريته واستقلاله الوطني وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

ومما لا شك فيه ان اعادة الاعتبار للحقيقة والعدالة الانسانية في فلسطين ولشعب فلسطين عبر القرارات المتعاقبة التي اصدرتها الجمعية العامة للامم المتحدة على مدى الاعوام العشرين الماضية قد عزز ثقة شعبنا بانتمائه الى الاسرة الدولية والى المواثيق العالمية.

ان الشعب الفلسطيني سيداتي...... سادتي المحترمين هو من اكثر شعوب الارض توقا وتطلعا الى السلام والحرية يحدوه الامل نحو ممارسة حقوقه الاساسية والانسانية التي حرم منها على مدار ثمانية عقود نتيجة احتلال وطنه وتشريده منه في انتهاك صارخ لبنود ونصوص الاعلان العالمي لحقوق الانسان ولكافة المواثيق والعهود الدولية.

الاصدقاء الاعزاء

لقد واصل الشعب الفلسطيني الاعلان عن رغبته الصادقة والاكيدة في اقامة السلام العادل المتكافىء الذي يضمن استعادته الكاملة لحقوقه وحرياته الاساسية على ارض وطنه . وترجمة لهذه الرغبة الصادقة والمسؤولة اعلنا مبادراتنا للسلام في عام 1974 من على منبر الامم المتحدة وجددنا هذا التوجه في الجلسة الخاصة للجمعية العامة للامم المتحدة في جنيف من خلال مبادرة السلام الفلسطينية في المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 واستنادا الى ذلك شاركنا في مؤتمر مدريد للسام الذي انعقد على اساس تطبيق قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الارض مقابل السلام هذا الطريق الذي اختاره الشعب الفلسطيني عن قناعة وايمان باعتباره مطلبا  امميا يتماشى مع روح ونصوص الاعلان العالمي  لحقوق الانسان وحل النزاعات بالطرق السلمية ووسيلة تمكنه من استعادة وممارسة حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف.

ومن حقنا هنا ايتها السيدات والسادة المحترمين. ونحن نخاطبك من على هذا المنبر الاممي ان نتساءل ميف يمكن للشعب الفلسطيني ان يتمتع بحقه في السلام والعيش في امن واستقرار ما دامت حقوقه الوطنية وحرياته الاساسية تنتهك باستمرار بفعل الاحتلال الاسرائيلي الذي لا يزال جاثما فوق ارضه والذي يفرض قوانينه الجائرة وسياسته التعسفية  التي تحرم شعبنا من ممارسة هذه الحقوق والحريات الاساسية التي اقرها الاعلان العالمي لحقوق الانسان باعتباره مثلا مشتركا ينبغي ان تبلغه كافة الشعوب والامم والتي اتفق عليها في سلام الشجعان الذي وقعناه سنة 1993 مع الحكومة الاسرائيلية في البيت الابيض الامريكي تحت اشراف الرئيس كلينتون.

ان تمسك الشعب الفلسطيني بالسلام وتضحياته الكبيرة من اجل تحقيقه هو موقف مبدئي وثابت باعتباره خيارا استرتيجيا لا رجعة عنه والذي من خلاله يتحقق الامن والاستقرار لجميع شعوب منطقة الشرق الاوسط وعلى اساسه يتوطد التعايش والتعاون الاقليمي بين هذه الشعوب لما فيه خيرها ومستقبل اجيالها والتزاما منا بمبادىء واسس الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهود والمواثيق الدولية اللاحقة قمنا بالمشاركة الجادة والمسؤولة في كافة الجهود والانشطة والفعاليات الدولية والاقليمية التي توجت بعقد المؤتمر الدولي للسلام في مدريد الذي اعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي حيث حدد هذا المؤتمر الاسس والمرجعية لاقامة السلام العادل والشامل والدائم في الشرق الاوسط.

سيداتي .....وسادتي

تعلمون ان منظمة التحرير الفلسطينية تمكنت بعد مفاوضات صعبة وطويلة من توقيع اتفاق اعلان المبادىء في واشنطن مع حكومة اسرائيل هذا الاعلان الهام الذي اردناه انا وشريكي في السلام المرحوم اسحق رابين لطي صفحة مؤلمة من الماضي وتجديد المصالحة التاريخية والتعايش السلمي بين شعوب دول منطقة الشرق الاوسط ولفتح افاق جديدة واقامة علاقات سلمية سليمة بين الشعب الفلسطيني والشعب الاسرائيلي.

واثر توقيع هذا الاتفاق الهام الذي حظي بترحيب ودعم وتأييد كافة الاطراف والقوى الدولية المحبة للسلام والحرية بدأ الشعب الفلسطيني باقامة السلطة الوطنية الفلسطينية فوق المناطق المحررة من ارض وطنه كخطوة اولى نحو اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف مبادرا بايمان وثقة الى تكريس مبادىء الحرية والعدالة والمساواة وكل ما يضمن الحقوق الفردية والجماعية المنبثقة من المواثيق الدولية فيما يتعلق ببناء نظامه الساسي على اساس مبدأ التعددية السياسية والنهج الديمقراطي ومبدأ الانتخابات العامة ولقد جرت هذه الانتخابات كما تعملون على الارض الفلسطينية انتخابات رئاسية وانتخاب المجلس التشرييعي الفلسطيني.

ولقد تواصلت المفاوضات واللقاءات بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومة اسرائيل طيلة السنوات الاربعة الماضية بهدف تطبيق بنود اتفاق اعلان المبادىء الفلسطيني الاسرائيلي وفقا للجدول الزمني المتفق عليه وقد تعرضت عملية السلام والمفاوضات لانتكاسات متتالية ومنذ تولي السيد نتنياهو لمقاليد الحكم في اسرائيل بدأت الامال الكبيرة التي انبثقت مع انطلاقة عملية السلام بالتلاشي تدريجيا بعد ان اخذت الحكومة الاسرائيلية الجديدة تطرح تفسيرات ورؤى مغايرة ومناقضة لمرجعية عملية السلام ومحاولة الالتفاف على هذه المرجعية من اجل التنصل من تطبيق هذه الاتفاقات المبرمة والاستحقاقات المترتبه عليها كل ذلك اسهم في خلق اجواء من التوتر والاحباط بدلا من العمل على بناء وتعزيز جسور الثقة والتفاهم والاحترام المتبادل كما عمدت الحكومة الاسرائيلية الى انتهاج سياسة فرض الاملاءات والامر الواقع والعقاب الجماعي والاغلاق والحصار الاقتصادي على مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية والذي يكلفنا خسارة يومية تزيد على عشرة ملايين دولار يوميا الامر الذي ادخل عملية السلام في نفق مظلم وقادها الى طريق مسدود.

ومما زاد في تفاقم وتعقيد الازمة التي تمر بها عملية السلام امعان الحكومة الاسرائيلية في مصادرة الاراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات الاسرائيلية فوقها وتوسيع المستوطنات القئمة وكذلكمحاولاتها الدؤوبة لتهويد مدينة القدس الشريف بالكامل وطمس مكانتها وهويتها الفلسطينية والدينية  كرمز حضاري للسلام والتعايش وكذلك حصار مستمر لمدينة بيت لحم  مهد سيدنا المسيح عليه السلام ولوضع العراقيل امام استعدادتنا للاحتفالات سنة 2000 على ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام في محاولة منها لاستباق مفاوضات الوضع النهائي ورسم خريطة الحل الدائم من جانب واحد مما يشكل انتهاكا صريحا للاتفاقات المبرمة ولقرارات الشرعية الدولية ولاتفاقية جنيف الرابعة وتحديا سافرا لارادة المجتمع الدولي.

ان السياسات الاسرائيلية الرافضة والمتنكرة لمرجعية عملية السلام وللارادة الدولية باقمة السلام المنشود خلقت اجواءا من عدم الثقة واليأس والكراهية وشجعت اعمال العنف والتطرف التي يقوم بها اعداء السلام من الجانبين ومن اجل تقويض وتدمير العملية السلمة وعودة المنطقة الى دائرة العنف والعنف المضاد والحروب والدمار.

الواضح والثابت الذي يدين ويرفض اعمال العنف والارهاب ايا كان مصدرها واشكالها ومن يقف ورائها وقد قمنا ولا زلنا نقوم بكل جهد ممكن من اجل المحافظة على الامن والاستقرار واحباط هذه الاعمال الارهابية وقد حققنا نجاحات كبيرة في هذا المجال.

وكما تعرفون ايتها السيدات والسادة والكرام فان القضاء على اعمال العنف والارهاب غير ممكن وبدون اقتلاع اسبابه وجذوره فالاحتلال والاستيطان والعقوبات الجماعية والاعتقالات التعسفية والاغلاق والطوق الامني والحصار الاقتصادي والغذائي وحرمان الشعب الفلسطيني من اسباب الحياة بكرامة فوق ارضه وكذلك حرمانه من التمتع بحقوقه وحرياته الاساسية اسوة بشعوب الارض كل ذلك من شأنه خلق المزيد من اجواء التطرف واليأس والتي بدورها تشكل تربة خصبة للمتطرفين واعداء السلام في الجانبيين الذين يعملون جاهدين وبشكل سافر لهدم جسور الثقة والتفاهم والاحترام المتبادل والتعايش بين الشعوب وصولا الى تدمير ونسف عمليه السلام برمتها.

سيداتي........ سادتي

احتراما لالتزاماتنا تجاه عملية السلام وتمسكنا القوي باقامة السلام العادل في المنطقة سلام الشجعان وتجاوبا مع الجهود والمبادرات الدولية وخاصة الامريكية والاوروبية منها وحرصا منا على انقاذ هذه العملية السلمية من المأزق الحقيقي والخطير الذي الت اليه قمنا باستئناف الاتصالات والمفاوضات مع الجانب الاسرائيلي وعقدنا سلسلة من الاجتماعات كان اخرها لقائي بالسيد بنيامين نتنياهو بمشاركة امريكية حيث كان مضمون هذه اللقاءات والاتصالات يتمحور حول ضرورة تطبيق اتفاق المرحلة الانتقالية وان الحكم على نجاحها ونتائجها امر مرهون بحسن نوايا الجانب الاسرائيلي ويما يتم تنفيذه على ارض الواقع من جانب الحكومة الاسرائيلية وخاصة فيما يتعلق بالتنفيذ الدقيق والامين لكافة استحقاقات اتفاق المرحلة الانتقالية  وفي مقدمتها استحقاق المرحلة الثانية من اعادة الانتشار وفتح المطار والممر الامن واستكمال العمل لانجاز الميناء واطلاق سراح الاسرى والمعتقلين في السجون الاسرائيلية وغيرها من الاستحقاقات التي لا زالت الحكومة الاسرائيلية تتهرب من تنفيذها او الالتزام بها وحتى يمكننا استئناف مفاوضات الوضع النهائي.

ان السلام يشكل بالنسبة لنا قيمة انسانية سامية نؤمن بها وتنادي به الشرائع السماوية الثلاث باعتباره  اساسا لتطوير وتعزيز وعلاقات التعاون والتسامح والتعايش بين الشعوب خاصة وأننا ندرك مدى حجم المسؤولية الملقاه على عاتقنا تجاه الاجيال القادمة التي لا نريد لها العيش في ظل الصراع والحروب والكراهية وانما نريد ان نورثها القيم الانسانية النبيلة في ظل مستقبل يسوده السلام العادل والامن في اطار مسؤولياتنا تجاه الاجيال المقبلة وهي المسؤولية التي ينعقد من اجلها مؤتمركم العتيد.

سيداتي.......سادتي......... الاصدقاء الاعزاء

اسمحوا لي من على هذا المنبر ان اتوجه بمناسبة هذا الاحتفال التاريخي الهام بالاعلان العالمي لحقوق الانسان بالشكر العميق منوها بأهمية  الدور الكبير والبناء الذي تقوم به منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو" لحماية التراث الفلسطيني والحفاظ على الهوية الفلسطينية وتقديم كل اشكال الدعم والتأييد للشعب الفلسطيني في المجال الثقافي والتربوي لحفظ تراثنا الحضاري المهدد كما نشكر السيد مايور لمساعدته الدؤوبة على اعادة بناء مؤسساتنا وهيئاتنا الثقافية والتربوية والتعليمية.

كلنا امل وثقة سيداتي.......سادتي ان تواصل اليونيسكو بكامل هيئاتها في هذه المرحلة الدقيقة دعمها للشعب الفلسطيني الذي يخوض معركة اعادة الاعمار والبناء لوطنه ولمرافقه الحيوية واقتصاده التي دمرها الاحتلال تدميرا كاملا وفي ظل ظروف بالغة التعقيد وبامكانات محدودة للغاية ويواجه تحديات وصعوبات كبيرة في تنفيذ مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جراء استمرار الحكومة الاسرائيلية في فرض سياسة العقاب الجماعي والحصار والاغلاق الأمر الذي تسبب في الحاق اقدح الخسائر بالاقتصاد الفلسطيني الناشىء وتدهور الظروف المعيشية لشعبنا بشكل خطير.

واننا نعلق امالا كبيرة على مواصلة دعمكم ودعم كافة الدول والقوى الصديقة المحبة للسلام والحرية من اجل بلوغ هدفنا المنشود باقامة السلام العادل والدائم الذي يمهد الطريق نحو مستقبل مشرق وزاهر للاجيال القادمة.

والسلام عليكم