رسالة ياسرعرفات في الذكرى الرابعة عشرة لانطلاقة الثورة الفلسطينية

2016-01-14

عـــــــام الجـــــــــمر والنـــــــــــــــار

عـــــــام النــــــــــــــور والامــــــــــــل

ايها الاخوة رفاق الدرب الطويل،

ايها الشعب الصامد المثابر،

ايها الابطال في خنادق الثورة،


مر العام الرابع عشر من عمر ثورتنا المظفرة، لتدخل عامها الخامس عشر مزهوة بأكليل الغار والانتصارات على جباهها. ليسجل شعبنا في كتاب التاريخ ملاحم جديدة لنصره المؤزر الحتمي الاكيد.

مر هذا العام بتحدياته الشرسة ومؤامراته الخطرة. مؤامرة فرض العدو شروط الاستسلام على شعبنا وعلى امتنا العربية. تلك الشروط الصهيونية الامبريالية الاميركية التي يريدونها وصمة عار وذل لاجيالنا المقبلة تحت اعقاب الغزاة الحديدة. ونير وسيطرة خططهم واطماعهم التوسعية الامبريالية الصهيونية الهمجية.
لقد تتابعت الاحداث في هذا العام، وتتابعت معها القرارات التاريخية الثورية الحاسمة في مواجهتها.

اتخذ ثوارنا الابطال قرارهم الحاسم الثوري بالصمود ضد القرار العسكري الاميركي الاسرائيلي في الجنوب اللبناني جنبا إلى جنب مع رفاقنا واخوتنا في السلاح من المقاتلين اللبنانيين الوطنيين الشرفاء، لنسجل سويا انتصارا عسكريا لامتنا العربية طوال ثمانية ايام بلياليها ضد ما يقارب ثلث الجيش الاسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة بأحدث الاسلحة الامريكية واكثرها فتكا، بل والمحرمة دوليا وانسانيا، وتكسرت على صخرة البطولة والشجاعة والفداء والتضحية، المؤامرة الخطرة لابادة الثورة وابادة قواتها وابادة قيادتها. ذهبت مع دخان المدافع مقولة بيرجنسكي "وداعاً لمنظمة التحرير، باعتبارها كانت الضوء الاخضر لهذه الحملة العسكرية الاسرائيلية الهمجية.

وبقيت الثورة خفاقا علمها، قويا وجودها. ثابتا جنانها باعتبارها الحقيقة الثابتة الاصيلة في هذه المنطقة المهمة المهمة والحساسة والمليئة بالمؤامرات والمحفوفة بالاخطار.

ثم كان القرار الثوري الحاسم في تثبيت دعائم الثورة وكسر مخطط ضربها من الداخل، حيث تفتت على فولاذ هذا الاتون الثوري الاصيل جميع المحاولات وكل الضربات بما فيها محاولات التصفية واعمال الاغتيالات. وخرجت الثورة كأقوى ما تكون ايمانا وثباتا ورسوخا، امام هذه التحديات المتعددة والمتنوعة  الاشكال والغايات، وليبقى القرار الثوري قرارا ثوريا فلسطينيا دونما تبعية او خضوع.

وجاء القرار الثوري الحاسم الثالث، القرار القنبلة الموقوتة التي فجرها شعبنا العظيم داخل ارضنا المحتلة في وجه ظلام مؤامرة كامب ديفيد ومؤامرة الحكم الذاتي، وذلك عندما اطلق صيحة الحقيقة، وصيحة الوجدان، وصيحة الضمير الثوري. وصيحة الارادة الفلسطينية، بادانته لهذه المؤامرة ومواجهة جميع اشكالها وصورها واتجاهاتها ومراميها واهدافها.

ليس هذا فحسب، ولكنه اتبع هذا التصعيد العسكري المستمر والمتفجر لعمله النضالي وكفاحه المسلح من دون كلل او ملل، طبقا لخطة مدروسة وتخطيط ثوري، متحديا كل امكانيات العدو وحلفائه وعملائه، وليسجل بهذا مزيدا من الانتصارات والملاحم والاساطير البطولية لشعبنا وامتنا وتاريخنا.

خرج شعبنا بمعجزته هذه ليتردد صوتها عاليا في المنطقة كلها، وليذهل العالم بهذا الصمود وذاك التحدي، وهذا الفهم العميق والثابت لابعاد الموقف. وليعطي الصورة الراسخة الواضحة لديمومة الثورة العارمة في حنايا هذا الشعب العظيم، شعب المعجزات شعب العطاء السخي، شعب الشهداء والمقاتلين، القرار الفلسطيني المستقل والارادة المستقلة، شعب التضحيات الجسام، شعب الوعي الصادق، وشعب الوعد الامين.

ثم كانت هنالك قرارات اخرى عديدة، مهمة ومصيرية في ابعادها السياسية والثورية وعلى مختلف الاصعدة، وفي شتى المجالات، فكانت قرارات الصمود والتصدي، ودورها الفاعل فيها. وكان دورنا في التحالف الاستراتيجي وفي الفرز الثوري لمعسكر الاعداء والاصدقاء في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الاوسط وفي الساحة الدولية.

لقد كانت مواقفنا واضحة في انطلاقتنا الاصيلة والثابتة مع الثوار والشرفاء ومع المجاهدين والصامدين في كل بقعة ثورية حقيقية.

وكانت وقفتنا المبدئية والقومية، مع كل موقف وحدوي في امتنا العربية، وخاصة ما جاء فيها في مشرقنا العربي، وعلى ساحة التماس مع العدو في الجبهة الشمالية.

كل هذا من خلال مفاهيم واضحة وثابتة ومبدئية، نعطيها وتعطينا، ندعمها وتدعمنا، نقويها وتقوينا، ليصب هذا كله في المجرى الكبير للعنفوان الثوري الجارف ضد جميع اشكال القهر والظلم والاضطهاد والعبودية، ضد الامبرياليين الجدد والقدامى، ضد صهاينة الداخل والخارج، ضد الاستعمار القديم والحديث.

لذا كانت هذه القرارات الثورية الحاسمة في هذا المعترك وهذه الدوامة وسط رمال الشرق الاوسط المتحركة والخطيرة، تمثل هذه الاصالة الثورية والشفافية المستقبلية والرؤى الصادقة والارادة الحديدية النضالية، والايمان الراسخ العميق.

لهذا كانت المسيرة بكل ابعادها الحضارية والانسانية، وعلى مختلف الاصعدة، فلسطينيا وعربيا ودوليا، وبكل ما حفلت به من انفجار ثوري هادر حمل من التغييرات ورياح التغيير في هذه المنطقة الشيء الكثير والكثير جداً، بعضها في مجرى التطور التقدمي ومع تيار التاريخ ومصيره الازدهار والفوز، وبعضها ضد مجرى التاريخ وضد منطق التطور وهذه مصيرها الهزيمة والفشل.

وكان طائر البجع الفلسطيني وسط هذا كله عاملا ديناميكيا في صنع هذه القفزات التقدمية الفاعلة والنشطة، ومرفرفا بجناحيه بين حلفائه في الدول الاشتراكية ورفاقه في دول عدم الانحياز واشقائه في الدول الاسلامية.

من ايران، البركان الهادر في آسيا، إلى الثوار الاحرار في افريقيا، إلى الاصدقاء العديدين في امريكا اللاتينية.

قابضا بيد فولاذية على جذوره العميقة في اعمق اعماق الوطن، واعمق اعماق التراب الفلسطيني مستمداً من هذا التراث للثورة الحق، من جبل  الرحمة في عرفات، وانبلاج الحقيقة من مهد الرسالة، لتتجاوب معه اصوات المضطهدين والمناضلين والمجاهدين بين جنبات الاقصى والصخرة والقيامة في القدس الحبيبة الاسيرة المكبلة.

ان معنى هذا كله ومغزاه ومحتواه هو الدعم الكبير من معسكر الاصدقاء والحلفاء والاشقاء، وجميع القوى الديمقراطية والتقدمية، وهو الذي يصب في الحتمية الثورية للنصر الاكيد.

ايها الاخوة الاحبة،

يا شعبنا البطل،

 السنة الرابعة عشر بما فيها من مفاجآت وبما فيها من عطاء وبما فيها من آفاق وبما فيها من احداث، سارت جميعها تخترق الصعاب وتصنع الملاحم، وتشق الدرب وتطرق ابواب المجد، وتكتب التاريخ باحرف من نور ونار، وثورة وايمان، واصالة وعنفوان، وحنكة وحكمة.

واستطاعت ان تحيل الحصار المضروب حول الثورة، والذي يريد تصفيتها او اضعافها او احتواءها، إلى متراس ضارب بقوة دفاعا عن هذه الثورة وشعبها ومكتسباته ووجوده واهدافه.

ليس هذا فحسب، وانما تمكنت من تحقيق المزيد من خطوات التوحيد والوحدة بين صفوفها، وتراص سواعدها باعتبارها الركيزة الهامة ومعيارا اساسيا لقدرتها على المواجهة والصمود والتصدي، وحدة شعبها اينما تواجد في اماكن تجمعاته، داخل الوطن وخارج، معبرا بذلك عن ذاته الثورية واصالته العربية وجذوره القومية، بارادة صلبة وعزيمة جبارة، ومشكلا بوحدة قواه المقاتلة تحت العلم الخفاق مزيجا فريدا في الالتحام والتكامل.

وهنا لا بد لنا من ان نؤكد على اهمية الالتزام الديمقراطي قولا وعملا، فكرا وممارسة، وان نعي ان الديمقراطية التزام وعطاء من اجل الثورة وفي سبيل الشعب، وليست مدخلا او وسيلة لتحقيق بعض الذات او بعض المكاسب التنظيمية الضيقة هنا وهنالك، على حساب المبادئ والمثل والاهداف، وعلى حساب هذا الشعب البطل العظيم.

سنة بعد سنة، والثورة تكبر، تشتد وتتألق، وتصبح الثورة الفلسطينية ظاهرة، رغم كل الحسابات والتوقعات للمخططات المشبوهة المعادية، كبيرة بحجم الوجود، واضحة بقوة الحقيقة، دافعة في المسار التاريخي والتطور الطبيعي والحتمي، الرسالة الحضارية والتقدمية لمسيرة الثورات ضد جميع اشكال الظلم والقهر والاستبداد، نارا على رأس علم، ونورا يهديها، تتجمع حول مشاعل الثوار في فوهات بنادقهم، وتصبح ثورة، ثورتنا العملاقة، هذه، نقطة الانعطاف في هذا المجرى الحضاري والتقدمي في هذه المنطقة، بكل ما تعنيه هذه المنطقة لاعدائنا، في موقعها الاستراتيجي ومخزونها النفطي واحتياطها الاقتصادي. ولذا كان علينا ان نفهم السبب الدفين لهذا التكالب الشرس الذي يحاول ان يضرب الثورة ويقضي عليها، لتبقى هذه المنطقة فريسة سهلة، ولتستمر هذه الارض ميدانا يمارس فيه اعداؤنا خبراتهم الجهنمية لنهب خيراتنا وثوراتنا من دون رقيب او حسيب، بل بمساعدة العملاء في امتنا العربية، الذين اعمتهم العمالة فراحوا يفرشون الارض.. ارضنا الطاهرة المقدسة باتفاقات ومعاهدات مسمومة يسير عليها اعداء امتنا إلى قلب هذه الامة، يغرزون فيها خناجرهم المسمومة ويفرضون عليهم سيطرتهم الكاملة، تحت شعارات السلام المزيف المبرمج والمخطط له، والذي يشكل خطرا داهما ليس على فلسطين وحدها، وليس على شعبنا الفلسطيني فقط، وليس ضد ثوارنا الابطال بمفردهم… ولكن ضد امتنا العربية ومستقبلها ومصيرها… وضد هذه المنطقة المسماة في عرفهم منطقة الشرق الاوسط… وبالتالي ما يشكل كل هذا من آثار عديدة وخطيرة على مجمل السلام العالمي.

وهنا لا بد ان تنطلق صيحتنا لكي يسمعها العالم اجمع، وبالذات الاحصنة الخشبية التي تجر عربة كامب ديفيد. وانني اطلقها باسم شعبنا وثواره وباسم جماهير امتنا العربية وشرفائهم وباسم الاحرار والشرفاء في العالم اجمع، انه لا سلام ولا امن ولا حل ولا استقرار في هذه المنطقة بالقفز على جوهر المشكلة والاساس فيها، بالقفز على حقوق شعبنا الفلسطيني الوطنية الثابتة، بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير واقامة دولته الوطنية المستقلة فوق ترابه الوطني، تحت قيادته الوحيدة منظمة التحرير الفلسطينية، والتي اعترف بها كافة المستويات الصديقة والحليفة والعربية والدولية.

ونحن في هذا انما نشق طريقنا مع جميع هؤلاء الشرفاء والاشقاء والحلفاء والاصدقاء نحو السلام العادل والوطيد في الشرق الاوسط. سلام دائم بعدالته. سلام وطيد مع الحقيقة والاصالة والطمأنينة المستمرة فيه.. وليس سلام الاقوياء على الضعفاء.. وليس سلام املاء شروط الاستسلام وفرض الهيمنة والسيطرة من خلال احلام الامبراطوريات الواهية واحلام المستعمرين ومستوطناتهم وحدود الامن ومصادر المياه المؤدية إلى منابع النفط.

وليكن واضحا وضوح دم الشهداء، ان ثورتنا العملاقة لم تنهزم امام هذا العدو الصهيوني، امام آلته العسكرية الامبريالية، فلماذا نخضع لشروطه ونركع مع الراكعين لاوامر الاستسلام التي يفرضها عليهم. انها ثورة شامخة كالطود، ثابتة كجبال بلادنا، قوية بشعبها وثوارها.
 

ولن ترهبنا الحملات العسكرية المستمرة ولا الغارات الجوية ولا البطش ولا الارهاب والقهر ولا الفاشيون والنازيون الجدد.

ان نصرنا الحتمي آت طال الزمن ام قصر، شاء اعداؤنا ام أبوا، فهذه ارادة التاريخ، ارادة الدم والساعد العربي الفلسطيني، ارادة الكبرياء في امتنا العربية، ارادة الانتصار لكل ما هو شريف شجاع وعادل في البشرية التقدمية جمعاء.

هذه الحقائق يجب ان يعيها من يرسمون او يحاولون ان يرسموا خرائط المنطقة. خرائطها السياسية الجديدة او يحاولون ان يثبتوا تحالفات مقبلة متلونة.

يجب ان يرسخ في اذهانهم ان كانت تستجيب او تصيخ السمع، ان هذه المخططات للتصفية وللسيطرة والهيمنة وسحق الاوطان واستعباد الشعوب على مائدة كامب ديفيد او بلير هاوس لن تمر الا على اجساد المناضلين والشرفاء والثوار في امتنا العربية، وجميع المجاهدين الصادقين في هذه المنطقة برمتها.

هذه ملامح سريعة وصورة عجلى لما نحن فيه وما نحن مقبلون عليه في عامنا الخامس عشر لثورتنا الجبارة العملاقة بمسيرتها الطويلة الشاقة.
 

عام الجمر والنار، عام النور والامل.

عام الاحداث والمفاجآت المهمة.

فهلا وعينا هذه المسؤوليات واثقالها؟

فهلا وعينا هذه التوقعات واحتمالاتها؟

يا شعبنا العظيم… يا شعب المعجزة المستمرة… يا شعبنا البطل والرمز والمثل والهدف، الطريق طويل وصعب وشاق، ولكن دائما وابدا هذا هو طريق الحرية والحياة و المجد والكرامة.
 

حنانيك يا شعبنا وانت تحتضن مواكب الشهداء الابرار فيك.

حنانيك يا شعبنا وانت ترنو إلى معتقليك واسراك بزهوهم وكبريائهم.

حنانيك يا شعبنا وانت تصنع المجد حولك.

حنانيك يا شعبنا وانت تشق الظلمات إلى النور بخطواتك الجبارة.

حنانيك يا شعبنا وانت تصنع المعجزة كل يوم مع ثوارك.

حنانيك يا شعبنا وانت تسطر الملحمة في كل منعطف مع مناضليك.
 
وسنبقى معا كتفا إلى كتف وساعدا إلى ساعد حتى اسوار القدس ليرتفع عليها علم واحد، علم ثورتنا وعلم امتنا العربية بألوانه الزاهية الاربعة.

وانها لثورة حتى النصر.

اخوكم: ابو عمار
1/1/1979