خطاب ياسر عرفات قبيل بدء جلسات محكمة العدل الدولية

2016-01-14

بسم الله الرحمن الرحيم

يا جماهير شعبنا الفلسطيني الصامد في الوطن والشتات

يا دعاة السلام والأمن والتعايش الفلسطيني – الإسرائيلي

يا قوى التضامن والحماية الشعبية الدولية ضد جدار الضم والتوسع

في هذا اليوم التاريخي , يتطلع الشعب الفلسطيني ومعه كل الشرفاء في العالم, إلى سماع كلمة القانون الدولي وكلمة العدالة الإنسانية وكلمة الشرعية الدولية, حيث تلتئم محكمة العدل الدولية في لاهاي، بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعطاء رأيها في قضية بناء جدار الضم والتوسع والفصل العنصري الذي تقيمه حكومة إسرائيل على أرضنا الفلسطينية . 

إن جدار الضم والتوسع والفصل العنصري إنما يهدف إلى ابتلاع 58% من أراضي الضفة الفلسطينية ويحول أرضنا ومدننا إلى بانتوستانات وغيتوات معزولة تسيطر عليها المستوطنات الاستعمارية التي أقامها الاحتلال الإسرائيلي في أرضنا بالقوة وضد القانون وبالعدوان على أرضنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية، لحرمان شعبنا من أرضه، ولمنعنا من إقامة دولتنا الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف، طبقاً لقرارات الشرعية الدولية، والاتفاقات الموقعة بيننا، وللحيلولة دون التنفيذ العاجل لخارطة الطريق والمبادرة السعودية، التي أقرت في القمة العربية في بيروت، وكذلك رؤية الرئيس بوش، واللجنة الرباعية لإقامة الدولة الفلسطينية .

وفي هذا اليوم العالمي، ويوم اجتماع محكمة العدل الدولية، فلا بد للعالم أن يرى حجم هذه المأساة الإنسانية، التي لم يسبق لها مثيل، والتي أصابت شعبنا الفلسطيني، بسبب هذا الاحتلال والعدوان وخاصة بعد نكبة 48 التي حلت بشعبنا، والتي على أثرها شرد ملايين الفلسطينيين، إلى خارج وطنهم، حيث يعيشون لاجئين في مخيمات الشتات واللجوء المأساوي في مختلف بقاع الأرض محرومين من حقهم في العودة وفقاً للقرار 194 .

وذروة هذه المأساة تأتي بإقامة هذا الجدار التوسعي، الاحتلالي الاستيطاني والعنصري، الذي حول مدننا وقرانا ومخيماتنا، إلى سجون ومعسكرات اعتقال جماعي، فبأي حق يُحرم شعبنا من أرضه، ويسجن في هذه الغيتوات، التي تقيمها حكومة إسرائيل؟ وفي الوقت نفسه يمارس جيشها المحتل مع المستوطنين، كافة أشكال الإرهاب والعدوان والقتل، على شعبنا وأرضنا وتدمير بنيتنا التحتية كلها، وجرف أرضنا الزراعة ومزارعنا ومساكننا، والاستيلاء على مياهنا الجوفية، وحجز أموالنا الضرائبية والجمركية لأكثر من ثلاث سنوات حتى الآن، وها هو شعبنا شعب الجبارين صابر صامد، بالرغم من هذه الجرائم اليومية، التي ترتكب بحقه من جيش الاحتلال الإسرائيلي ودباباته ومدافعه وصواريخه وطائراته وكذلك أسلحته المحرمة دولياً وهذه الظروف اللاإنسانية والمأساوية والتي لم يعشها شعب آخر من قبل في العالم أجمع .

إن شعبنا الفلسطيني الصامد، المرابط في وطنه، وفي أرض آبائه وأجداده، يعلن اليوم للعالم كله، أن "جدار الضم والتوسع والفصل العنصري"، قد حول مدننا إلى معتقلات وسجون جماعية، وصادر أرضنا واقتلع أشجارنا، ودمر مؤسساتنا الرسمية والشعبية والمس بمقدساتنا المسيحية والإسلامية، وخاصة بهذا الجدار حول القدس الشريف، أين ذهب جدار برلين؟ وبفصلها عن مهد سيدنا المسيح عليه السلام في بيت لحم، ومنع الفلسطينيين من الذهاب إلى أماكننا المقدسة في القدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى نبينا محمد صلوات الله عليه وسلم ورفعة سيدنا المسيح عليه السلام, وإلى الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل وفي غيرها. وإن هدف هذا الجدار، هو منع شعبنا من إقامة دولته الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، إلى جانب دولة إسرائيل، كما اتفقنا للتعايش معاً في أمن وسلام، استناداً لاتفاق سلام الشجعان، الذي وقعناه مع شريكنا الراحل يتسحاق رابين الذي اغتالته هذه العناصر المتطرفة في إسرائيل، ولهذا فإن شعبنا يرفض هذا الجدار التوسعي الاستيطاني، ولا يمكن للأمن والسلام أن يسودا بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، بل وفي المنطقة كلها، في ظل جدار الضم والتوسع والاستيطان والفصل العنصري، وإن الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي والمنطقة كلها في أمس الحاجة لجسور التعايش والتعاون، وليس لجدران الفصل العنصري، كما أكد ذلك قداسة البابا في أكثر من مناسبة، ومنظمة الصليب والهلال الأحمر الدولي, وكما أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، واللجنة الدولية لحقوق الإنسان والمنظمة الأمريكية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية ومنظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان, والقمة العربية ومجلس الكنائس العالمي والقمة الإسلامية، وقمة عدم الانحياز، والدول الإفريقية والآسيوية واللاتينية الأمريكية، وقوى السلام في إسرائيل، والأصدقاء والشرفاء والأحرار في العالم أجمع واللجنة الرباعية .

إننا ندعو شعبنا الفلسطيني، في هذا اليوم، اليوم العالمي، إلى إسماع صوته ضد جدار الضم والتوسع، لمحكمة العدل الدولية، ولكل دول وشعوب العالم . وندعو الشعب الإسرائيلي، وخاصة قوى السلام فيه، لرفض ومنع هذا الجدار التوسعي الاستيطاني، من أجل سلام عادل ودائم وشامل بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي والمنطقة كلها، طبقاً لقرارات الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة 242, 338 , 425 ، 1397 ، والقرارات الأخرى ذات الشأن، والتي لم تحترمها الحكومة الإسرائيلية، كما لم تحترم كذلك خارطة الطريق التي وضعت عليها 14 تحفظاً أكثر من خارطة الطريق، هذه الحكومة التي تحكم إسرائيل الآن بقواها المتطرفة .

ومن هنا، ندعو قوى السلام، الدولية والمحلية والحماية الشعبية الدولية، التي تقف مع شعبنا الفلسطيني الصامد المرابط في أرض الرباط، ضد الجدار التوسعي، إلى التحرك على الأرض، وفي عواصم العالم، وفي لاهاي، للتأكيد للرأي العام العالمي، الحقيقة العنصرية المأساوية لهذا الجدار العنصري، الذي تبنيه حكومة إسرائيل في أرضنا الفلسطينية، من أجل دوام احتلالها واستيطانها، ورفضها الصارخ والمتحدي، لحل الدولتين، ولخريطة الطريق، ولكل قرارات الشرعية الدولية، الداعية إلى السلام والأمن والتعايش، بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي والدول العربية، والمنطقة كلها .

كلنا أمل وثقة، بأن محكمة العدل الدولية، ستقف إلى جانب الحق وإلى جانب العدل، وإلى جانب الشرعية الدولية وإلى جانب حقوق الإنسان، حيث أنه لدى محكمة العدل الدولية اليوم، الفرصة في ترسيخ الأساس القانوني للشرعية الدولية، وفتح باب الأمل بالسلام وبناء جسور الصداقة والتعاون، بديلاً راسخاً لجدار الضم والتوسع والفصل العنصري، من أجل مصلحة الشعبين الفلسطيني– والإسرائيلي، ومستقبل زاهر لأطفالنا وأطفالهم ولكل المنطقة، بعيداً عن الفصل العنصري، وعن الأحقاد والكراهية، على أرض السلام والرسل والأديان، فلسطين، هذه الأرض المقدسة للعالمين .