خطاب الرئيس ياسر عرفات في الذكرى الـ 56 للنكبة (2004/5/15)

2016-01-14

رام الله في 2004/5/15

اعتاد الرئيس ياسر عرفات على مخاطبة الشعب الفلسطيني في ذكرى النكبة كل عام، ونورد هنا أخر خطاب له في هذه الذكرى

بسم الله الرحمن الرحيم
(وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)
صدق الله العظيم

بسم الله الرحمن الرحيم
(ُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)
صدق الله العظيم
يا أهلنا الصامدون المرابطون في ربوع الوطن ومخيمات المنفى والشتات.
يا أهلنا اللاجئون النازحون الذين شردوا من وطنهم فلسطين بغير حق.

اليوم هو يوم النكبة، يوم الخامس عشر من أيار، اليوم الذي شرد فيه هذا الشعب الفلسطيني بقوة سلاح العدوان والمجازر بموازاة مسلسل التآمر والتواطؤ والتخاذل والوعود الكاذبة، وكذلك ضرب قرارات الشرعية الدولية ولتنفيذ قرارات المؤتمر الصهيوني في بازل سنة 1897 ضد شعبنا وأرضنا ومقدساتنا المسيحية والإسلامية ولا بد لشعبنا الفلسطيني الذي يرزح تحت هذا الاحتلال والمشرد في وطنه واللاجئ والمشرد خارج وطنه أن يعرف كيف ولماذا وقعت النكبة. وفي هذا اليوم، اليوم الأسود الذي شكل منعطفاً حاسماً وخطيراً بكل نتائجه وأبعاده الأليمة والخطيرة على شعبنا الفلسطيني شعب الجبارين وعلى المنطقة العربية كلها وتأثيراتها على العالم أجمع منذ سايس بيكو ولكن شعبنا الفلسطيني ظل ولا زال يخوض هذا الصراع الطويل والمرير والمليء بالتضحيات الجسام فوق هذه الأرض أرض الرباط المباركة ودفاعاً عنها وعن مقدساتها وفي الخندق الأول دفاعاً عن أمتنا العربية حتى لا تضيع فلسطين أرضنا، وأرض الآباء والأجداد، والمباركة للعالمين والتي ظل هذا الشعب الفلسطيني الصابر والعريق والأصيل يدافع ويناضل مقدماً التضحيات الجسام من أجل حريته وأرضه ومقدساته وهم في رباط إلى يوم الدين.

نعم تعرض شعبنا لهذه النكبة الكبرى التي صنعتها وشاركت فيها قوى دولية واستعمارية وصهيونية، وتوهمت هذه القوى أن القوة والبطش والمجازر والتآمر والتواطؤ والتخاذل والعدوان يمكنها أن تعطي من لا يستحق ما لا يملك لمن لا يملك ولكن خاب فألهم ورد شعبنا بعون الله ومشيئته كيدهم إلى نحورهم، فالشعب الفلسطيني لم يمت وسيبقى صامداً هذا الصمود البطولي الأسطوري، فسرعان ما تحولت هذه الأرض المقدسة وكذلك مخيماته في اللجوء والشتات إلى معاقل للفداء والتضحية والصمود والثورة لتعلن للعالم أن فلسطين هي وطن الشعب الفلسطيني الذي لا وطن له سواه، وأن هذا الشعب لن يرضى بديلاً عن وطنه طال الزمن أم قصر لأن هذه الأرض أرض فلسطين أرض الآباء والأجداد. وانطلقت قضية فلسطين تعود إلى الحياة بسواعد أبنائها المجاهدين الذين مزقوا عار النكبة والهزيمة وفرضوا قضيتهم الفلسطينية على الأسرة الدولية كلها وعلى العدو قبل الصديق ويومها كما تذكرون وقف الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر ليقول للعالم: " إن هذه الحركة الفلسطينية وجدت لتبقى ووجدت لتنتصر “ لأننا أصحاب حق أكيد في هذه الأرض عبر التاريخ.

نعم يا أخوتي نعم يا أحبتي
وكانت الانطلاقة الثورية الفدائية وكان البلاغ الأول في الفاتح من يناير عام 65 رسالة واضحة إلى العالم أجمع، قال فيها شعبنا أن النكبة التي أصابت شعبنا وشردت ملايين الفلسطينيين ليست قدراً لا يمكن مقاومته، نعم كان هذا الهدير الثوري هو صوت الشعب الفلسطيني وصوت لاجئيه الفلسطينيين الذين رفضوا النكبة ورفضوا اللجوء القسري وأصروا على مواصلة الدفاع عن هذا الوطن ومقدساته إيماناً منهم بعدالة قضيتهم وللعودة إلى هذا الوطن فلا شيء عند الفلسطيني أغلى من وطنه المبارك ومقدساته المسيحية والإسلامية فيه، وعبثاً حاولوا حرف المسيرة وعبثاً حاولوا القضاء عليها بالتآمر والتواطؤ والطعن في الظهر، ولكن إرادة شعبنا من إرادة الله العلي القدير، نعم واستمرت المسيرة الظافرة بكل صلابه دون توقف ودون تردد ودون خوف أو وجل. وحتى بعونه تعالى يرفع شبل من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علمنا الفلسطيني فوق أسوار القدس وكنائس القدس ومآذن القدس الشريف "يرونها بعيدة ونراها قريبة وإن الصادقون".

بسم الله الرحمن الرحيم
) وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا(
صدق الله العظيم
يا أهلنا ويا أحبتنا الصامدين في الوطن وفي المخيمات.
واليوم بعد مرور 56 عاماً على النكبة ها هو الشعب الفلسطيني شعب الجبارين يبرهن على أن فلسطين ليست أرضاً بلا شعب بل إن شعبها البطل اليوم هو حديث العالم لشجاعته وروعة عطائه وصموده وبسالة أبنائه وبسالة بناته في وجه هذه القوة العسكرية الإسرائيلية العدوانية الاحتلالية التي تحاول عبثاً وبلا طائل الوقوف في وجه حركة التاريخ التي هي حركة الشعب الفلسطيني ضد الظلم التاريخي الذي أصاب شعبنا دون وجه حق. ونقول لأهلنا من قلب هذا الأتون المشتعل في فلسطين ومن أجل فلسطين وشعب فلسطين ولاجئيه الفلسطينيين الذين ليس لهم وطن سواه، نقول لأهلنا أن فلسطين تنهض لأن فلسطين وأهلها هم الحتمية التاريخية والدينية لهذه الأمة المباركة والتي تبدعها السواعد الفلسطينية كل يوم على أرض فلسطين، فلا مكان للاحتلال في أرضنا ولا للاستيطان الإسرائيلي وجدارهم العنصري في ربوعنا وأرضنا إن هذا زائل لا محالة بقوة صمودكم وإيمانكم وإن حق العودة للاجئين إلى وطنهم فلسطين حق مقدس تحميه وتؤكده الشرعية الدولية وتكافح عنه سواعد أبطال فلسطين الصامدين في وجه الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي ليس فقط ضد هذا السرطان الإسرائيلي ونكافح ضد هذا العدوان بسواعد الفلسطينيين وضد جدار الضم والتوسع العنصري، ودفاعاً عن مقدساتنا المسيحية والإسلامية. والذين هم في هذا الرباط المقدس إلى يوم الدين.

أيها اللاجئون في مخيمات الصمود.
ليس من حق أحد في هذا العالم أن يتنازل عن حق لاجئينا الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم ولن تستطيع حكومة إسرائيل أن تعفي نفسها من المسؤولة الأخلاقية والسياسية والدولية وقراراتها عن هذه المأساة التي أصابت اللاجئين الفلسطينيين.

إن قضية اللاجئين هي قضية الشعب والأرض وقضية الوطن وقضية المصير القومي كله فلا تفريط ولا تنازل ولا مساومة ولا توطين بل حق مقدس لكل لاجئ فلسطيني في العودة إلى وطنه فلسطين تطبيقاً لقرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القرار الخاص بعودة اللاجئين رقم 194 وإننا نؤكد هنا التزاما القوي لإقامة السلام العادل والدائم والشامل (سلام الشجعان ) على هذه الأرض المقدسة وفي المنطقة كلها.

وطبقاً لقرارات الشرعية الدولية ومن أجل مصلحة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي نعم الفلسطيني والإسرائيلي وفي جيرة طيبة واحترام متبادل ومن أجل مستقبل زاهر لأطفالنا وأطفالهم، وأقول للشعب الإسرائيلي وقوى السلام فيه بأن يدنا ممدودة إليهم لصناعة سلام الشجعان في هذه الأرض.

أيها الصامدون في مخيمات الشتات واللجوء.
من قلب هذا الأتون المشتعل في فلسطين في مواجه هذا الظلم والعدوان والاحتلال والاستيطان والغطرسة الإسرائيلية أحييكم يا أحبائي يا أبناء فلسطين في الوطن وفي الشتات والمنفى واللجوء القسري وأقول لكم فلسطين وطنكم طال الزمن أم قصر، فالصمود الصمود الأسطوري والمثابرة المثابرة الجادة والوحدة الوحدة الأصيلة والصبر الصبر القوي الأمين فنحن أصحاب الأرض والتاريخ والوطن والحق وما ضاع حق وراءه مطالب، إنها حياتنا وتاريخنا ومستقبلنا الذي نبنيه بسواعد رجالنا وسواعد نسائنا، فالعهد هو العهد والقسم هو القسم وإنا لصادقون.

أيها الصامدون في الوطن وفي مخيمات وفي الشتات
إن حرب الإبادة الشاملة والتدمير والقتل والتهجير القسري الواسع والمتواصل التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي من رفح غراد إلى جنين غراد وما بينهما وخاصة في حي الزيتون والأحياء الأخرى في غزة وبيت حانون وخان يونس ودير البلح ونابلس والخليل وطولكرم وقلقيلية وأريحا وبيت لحم التي أعادوا أخيراً احتلالها وجعلها منطقة عسكرية مغلقة- كل هذا لا يثني شعبنا عن مواصلة صموده الذي لا يلين وعن عطائه المنقطع النظير في وجه هذه الغطرسة العسكرية الإسرائيلية في هذا الزمن – زمن التحدي، وسيبقى شعبنا مرابطاً متلاحماً معتزاً كل الاعتزاز بهذه الوحدة الوطنية الرائعة التي تتجسد أمام هذه الهجمة العدوانية الإسرائيلية ولا بد لنا هنا أن نستذكر الأكرمين منا جميعاً شهداء الحرية وشهداءنا الأبرار، ونحيي أبطالنا الجرحى متمنين لهم الشفاء العاجل جميعاً نعم الشفاء العاجل وشعبنا سيبقى أمام هذا التحدي مترابطاً ومتلاحماً ومعتزاً كل الاعتزاز بهذه الوحدة الوطنية الرائعة التي تتجسد أمام هذه الهجمة العدوانية الإسرائيلية، للعودة إلى مواقعهم، ونزجي بكل التحية والتقدير إلى اخوتنا الأسرى والأسيرات الأبطال في السجون والمعتقلات ونقول لهم أن الفجر آت آت آت.
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ )
صدق الله العظيم
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ . .)

صدق الله العظيم
وحتى إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف بعونه تعالى.
شاء من شاء وأبى من أبى
وما النصر إلا صبر ساعة
ويا جبل ما يهزك ريح
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ومعاً وسوياً وجنباً إلى جنب حتى القدس الشريف