رسالة ياسر عرفات في الذكرى الثامنة عشرة لانطلاقة الثورة

2016-01-14

عام الانتصار على نتائج العدوان

بسم الله الرحمن الرحيم.
(أذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير* الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا ان يقولوا ربنا الله)
صدق الله العظيم 

يا اخوتي الابطال صنّاع الملاحم،
يا اهلنا كل اهلنا داخل وخارج ارضنا المحتلة،
يا جماهيرنا العربية الابية الصادقة،
هذا العام الذي انقضى بكل ما فيه وبكل ما له وبكل متاعبه. الم يكن ينبوع الكبرياء الكبير الذي تفجر بهذه الامة من محيطها إلى خليجها والذي فجرته هذه الفئة المؤمنة الصادقة، وهي في قمة الوفاء للاهداف والمبادئ والمثل، وهي في قمة العطاء والتضحية والعطاء، وعبر شلالات الدم الزكية المغراقة وموكب الشهداء الابرار وعذابات ومعاناة  الاسرى والمعتقلين في السجون والمعتقلات الجماعية الاخرى؟ اخترقت دماؤنا الحجب والسدود لتتفاعل مع جماهير امتنا العربية ومع كل الاحرار والشرفاء في عالمنا تصنع معه وبهم ملحمة الصمود في بيروت ومعارك الشرف في لبنان.

انه انفجار البركان الثوري بكل عطائه وبكل نبله وبكل شموخه والذي ولد من ضلوعه الزلزال الذي تمر به نفوس كل الجماهير في امتنا وفي المنطقة، مسجلة للاحرار في هذه الامة ولادة جديدة مباركة.

انه الايمان العميق والارادة الفولاذية والعزيمة الصادقة الاصيلة التي صهرتها التجربة تدق ابواب التاريخ لتسطر على صفحاتها هذه الملاحم وتلك الاساطير.
 

يا جماهير شعبنا المناضلة،
يا ابناء امتنا العربية الاوفياء،
يا ثوارنا الاشاوس البواسل،
هذا هو ما سجلته وسطرته هذه الفئة المجاهدة المؤمنة التي تصدت بصدورها وبأجسادها للطاغوت الصهيوني الامريكي وحيدة في خضم الاحداث امام المحاولات والمؤامرات والدسائس الساقطة لسحق الثورة في هذه المنطقة، نضالاً مسلحاً وموقفاً سياسياً. ولقد حدث هذا في اخطر لحظة من لحظات التاريخ العربي وفي وقت من ادق ما مرت به المنطقة في تاريخها المعاصر، وكأنه الشلل الذي اصاب بعض النفوس والوجدانات والضمائر وحتى بعض العقول فجمدها عن العمل والتفكير بينما الصراع يدور على الساحة بكل قساوته ووحشيته ودمويته، وكأنه لا يعنيهم ولا يخصهم، بل ان منهم ويا للكارثة من حاول ان يخرج نفسه من هذه المعركة الدائرة رحاها على مجمل الخريطة السياسية العربية وامتدادتها واتساعاتها غير عابئ بما يمكن ان تتمخض عنه نتائج الصراع، طالما ان هنالك ضمانات واتفاقات لتطمين هذا الموقع أو ذاك الموقع وبغض النظر عن المظلمة التي يستظلمون بها في وقت احتدام الصراع في ظل هذه الحقبة المصيرية من وجو د امتنا العربية، ونسوا أو تناسوا ان البركان الذي فجرته هذه الفئة المجاهدة المؤمنة الصادقة الصامدة في القوات المشتركة اللبنانية -الفلسطينية ومعها هؤلاء الابطال والاحرار عرباً ومسلمين واصدقاء نسوا هذا البركان الذي بدأ في بيروت لن يهدأ في هذه المنطقة وان الزلزال بدأ ياخذ ابعاده وامتداداته على كافة الخريطة السياسية في المنطقة كلها ليظهر الزيف وليكشف العورات، حيث "لم يبق في الملعب المطعون طاعنه، ولا تبقى لوادي الموت إلانا"
 

يا شعبنا الصامد المكافح، 
يا رفاق الدرب والمسيرة الطويلة، 
انه القدر بكل جلاله والمجد الذي تجلى في هذه الملاحم في عين الحلوة، والرشيدية، والبرج الشمالي، والشقيف، وصور، وصيدا، وخلدة، والدامور، والسعديات، وبحمدون، والريحان، وكامد اللوز، والقرعون، ووقف المجد بكل التقدير والاعتزاز والفخر امام تاريخ بيروت واطفال بيروت ونساء بيروت ورجال بيروت، ووقف المجد طويلاً طويلاً بكل اكاليل غاره امام الابطال الصناديد الذين دافعوا عن بيروت طوال الثمانين يوماً بأجسادهم ودمائهم وارواحهم بينما الجحيم ينصب عليهم من البر والبحر والجو في حمم لم تنقطع ليل نهار، تحملها احدث انواع القنابل والقذائف والصواريخ الامريكية الحديثة والمتطورة، وحتى تلك المحرمة دولياً.

لقد وضع البنتاغون الامريكي بيد هؤلاء القتلة والمجرمين ورئيس العصابة الاجرامية قاتل الاطفال والنساء شارون وسيده الارهابي بيغن هذه الاسلحة الحديثة للدمار والخراب لتكون بيروت ولبنان حقل تجارب لهذه الاسلحة الامريكية ولتحدث هذا الجحيم الكبير من التدمير والقتل والقصف والتخريب.

وبالرغم من ذلك كله لم يزد هذا الجحيم المسعور ابطالنا الصامدين المجاهدين الا ايماناً وثباتاً ليصنعوا هذه الاساطير عبر هذه الملحمة المعجزة التي صارت قممها على كل القمم.
 

فيا ايتها الجماهير العربية، ويا احرار امتنا، ويا قارعي طبول التاريخ الذين يتنفسون رياح الجنة العبقة. لقد جاء البشير وجاء الدليل لقد بدأت الارض تنتفض زلزالاً والبركان يشتعل ليزيد الثورة اشتعالاً. وتتأصل المسيرة الثورية في هذه الارض الطيبة المباركة. فبوركت يا ارضنا الطيبة المباركة وبوركتم يا ايها المجاهدون فيها، فالدماء لن تسيل هدراً والضحايا لن تسقط هباء. انهم ملح الارض على امتداد الساحة واتساعها، تحمل البشارة وتنطق بالبشرى تتعانق مع الجماهير المؤمنة وتتكاتف مع الاحرار والشرفاء وتتلاحم مع الوجدان والضمير، تتألق في العقل والقلب نوراًَ وسداداً واصراراً ومضاء. فلتطمئن ارواح الشهداء الاحبة الذين فقدناهم في ذلك الاتون الملتهب، فلتطمئن روحك ايها الحبيب البطل الشهيد الغالي ابو الوليد، ومعك هذا السرب المبارك، وهذه الكوكبة النيرّة، من عبد الله صيام، إلى زهير، إلى زكي، إلى محمد، إلى العلمي، إلى القداد، إلى القاسم، إلى آخر القافلة من هؤلاء الفرسان الشهداء الابرار، شهداء معارك بيروت وملحمة بيروت، وحربنا الوطنية الفلسطينية.
 

يا اخوتي واحبتي،
يا رفاق المسيرة المظفرة، 
يا شعبنا البطل المعطاء،
بهذ الروح الصافية المؤمنة والصادقة المنطلق، هدفاً ودرباً ومسيرة، يتجمع في صدر الاحداث كل هذا الزخم الثوري ليزداد الاصرار ولتبلور المزيد من هذه الاصالة عزيمتنا وتتجذر الارادة فينا يحميها هذا الايمان الصافي والعميق بكل رسوخه وصلابته. ومن هنا كان تعاملنا مع هذه الاحداث، وكان تعاملنا مع نتائجها، فنحن كنا ولم نزل وسنظل في مخاطبتنا للتاريخ نتقدم بهذه المسيرة بهذا الزخم الثوري من جماهيرنا المعطاءة الواعية وعلى هدي المشاعل الثورية لا تزيدنا الصعاب الا اقتداراً ولا تدفع بنا الخطوب الا إلى المزيد من التمسك باهدافنا النبيلة ننطلق بها بخطواتنا الثابتة والقوية والقادرة على درب التحرير على درب فلسطين على طريق الجلجة في القدس الحبيب.
 

يا اهلنا الصامدين الصابرين المرابطين،
يا رفاقنا في المسيرة النضالية العظيمة،
لقد كان عامنا المنصرم يا اخوتي، يا اهلي ويا رفاقي في المسيرة والدرب هو عام المضي بالثورة باتجاه الهدف باتجاه فلسطين، ولقد ظن العدو عدو امتنا وعدو شعبنا انه يستطيع وقف الاندفاع نحو هذا الهدف بهذا العدوان الاجرامي الكبير هذا العدوان الذي خططت له الادراة الامريكية ومدته بكل اسباب القوة وادوات الجريمة، وغطت جرائمه بكل ما تملك من وسائل وامكانيات ابتداءا من الفيتو الذي استخدمه مندوبوها في مجلس الامن ومروراً بالاتفاقيات التي مزقوها قبل ان يجف مدادها مع جفاف دم الشهداء في صبرا وشاتيلا وانتهاء وليس نهاية بزيادة الدعم السنوي الذي اقره الكونغرس الامريكي لهذه العصابة العسكرية مؤخراً.

فلقد كانت هذه الحملة الاجرامية ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني وبهذا الحجم الكبير حملة مشينة مدفوعة الاجر كاملا من الادارة الامريكية للمرتزقة المجرمين في الجيش الاسرائيلي لتسخير المنطقة للنفوذ الامريكي وسيطرته، وتحاول اسرائيل بها ان تنتقل من دور كلب الحراسة إلى دور الشريك الصغير المضارب في عملية النخاسة الجارية ضد منطقتنا وضد شعوبنا. ومما يؤسف له ان هذا التاريخ في هذه الاحداث الجسام بقدر ما كان تحدياً للاحرار والشرفاء في امتنا وحافزاً لجميع كوامن الخير والعطاء والفداء كان ويا للاسف في نفس الوقت للبعض في منطقتنا فرصة ليقدموا على مذبحها القرابين والتنازلات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة معتقداً ومتوهماً انه بذلك يستطيع ان يكون بمأمن من غضب السادة وبغض النظر عما يدور في ارض المعركة من ملاحم طاحنة ضروس غير عابئ بها وبنتائجها ولكن التاريخ لا يرحم ولن يرحم، والجماهير لا تنسى ولن تنسى، وستشق هذه الجماهير طريقها في هذا الاتون الملتهب تصنع غدها المشرق وارادتها الحرة بعزيمة لا تقهر وارادة لا تلين.

ولقد اثبتت الاحداث ونتائجها طهر هذا التوجه الثوري الخلاق وعمق اصالته وكانت برهاناً ساطعاً على صدق التجربة ورسوخ المنطلق، واعطت لجماهير امتنا العربية العريضة املاً حقيقياً ونوراً يستضاء به في هذا الصراع الذي تواجهه امتنا ان تكون او لا تكون في ظل هذه التحديات المصيرية والحضارية والتاريخية.

لقد خرج الفرسان الصناديد من بيروت المجاهدة مرفوعي الرؤوس والرايات بنادقهم في ايديهم لا يحملون من متاع الدنيا الا حقيبة الجندي المقدام والشريف الذي اعطى العطاء وقدم المثل والامثولة ثم قبلوا بيروت وقبلتهم بيروت وبجباه جماهيرها واطفالها ونساؤها ورجالها.

ما كان من الممكن ان يكون خروج هؤلاء الفرسان من بيروت الا من اجل اهلنا في بيروت وفي سبيل تجنيبهم المزيد من الذبح والتدمير، ومن اجل ان تضيء الحياة في عيون اشبالهم وزهراتهم خرج الابطال يحملون الغار فوق جبينهم يرتحلون من هذا الموقع إلى الموقع النضالي الجديد يتعربش بهم سارية الجبل من جديد جبلهم الحبيب بكل الايمان والصلابة والاصالة.

اليس الجبل في هذا الترحال الا للمجاهدين الابطال؟ هو هذا الشعب الرائع المعطاء، وهذه الجماهير العريضة في امتهم العظيمة، في دفئها، وفي دفء حقيقي، يعبر عن امتنان الامة ومحبتها، يعبر ان التفاف الجماهير وعطاءها واملها بهؤلاء الفرسان. لقد استطاع الابطال المدافعون عن بيروت، والمقاتلون في معارك لبنان ان يصمدوا في هذه المعارك، والملاحم امام الجيش الاسرائيلي، وعظم قواته البرية والبحرية والجو، مع احدث الاسلحة الامريكية المتطورة، واستطاعوا كسر شوكة هذا الجيش وتحطيم صورته وفشلت جميع محاولات هذا الجيش التي زادت عن سبع عشر محاولة لاقتحام بيروت، ووقف شارون امام صمود المدينة الباسلة تماماً كما وقف كل الغزاة في التاريخ امام اسوار المقاومة.

حقاً، لقد كان ما حدث في بيروت هو الذي وضع جماهير امتنا العربية في مواجهة واقعها الجديد، الحقيقي، دون زيف ولا لف، دون ركود، ولا وهن. لقد تساقطت اوراق التوت مع تساقط الاوراق التي حكمت واقعنا العربي، تساقطت الواحدة بعد الاخرى بعد تساقط القنابل والقذائف والصواريخ بكثافتها على بيروت، والتي تمثلت من خلال هذه الحقبة الزمية القصيرة، كل آيات الكبرياء والثقة بالنفس، والارادة الحرة، والقرار الوطني المستقل.

لقد كانت بيروت في حصارها وفي صمودها وفي تضحياتها وبسالتها وبطولتها عاصمة العواصم في المنطقة، عاصمة البنادق والخنادق، ولقد كانت في حصارها تحاصر الكثيرين وفي صمودها وبسالتها، وتضحياتها، النبع الثوري الذي فجر ينابيع جديدة للعطاء على مدى خارطة امتنا العربية.

وهنا لا بد من كلمة من القلب، إلى هذا الشعب اللبناني البطل الذي صنعنا واياه لامتنا العربية هذا المجد العريق والملاحم الاسطورية، والذي اقتسمنا معه لقمة الخبز، مع لقمة البارود في مواجهة الاخطبوط الامبريالي - الامريكي - الاسرائيلي.

ان ما حدث لم يكن شيئاً عابراً في مجرى الاحداث، وانما هو اعصار في المنطقة كلها، لان هذا العدو لا يريد فلسطين فقط، وانما اطماعه شرهة في كل لبنان، وفي غيرها من الارض العربية وان من يتعاون مع هذا العدو لن يرحمه التاريخ ولن يغفر له الشعب. 

وبالرغم من كل هذا، نقولها وفاء وعرفاناً بالجميل، يا اخوتنا، يا احبتنا في لبنان، انننا على العهد باقون، وبمسيرة النضال المشترك ملتزمون، وان هذا السواعد الثورية بتصرفكمو حتى يزول هذا الاحتلال البغيض، ويعود للبنان استقراره وامنه، ووحدة اراضيه وشعبه.
 

يا اهلنا الابطال،
يا جماهير امتنا المكافحة،
لقد كانت هذه الاستقبالات التي انفجرت في هذه الاقطار العربية، التي احتضنت قواتنا الباسلة، خير دليل على مدى الروابط وعمقها، ومدى هذا التفاعل واصالته بين هذه الجماهير العربية في الوطن العربي وبين الثورة الفلسطينية، وتؤكد على الحقيقة الثابتة على ان المسيرة مستمرة والبندقية مرفوعة والايدي على الزناد قوية، وان هذا الرحيل ليس هجرة رابعة او خامسة ولكنه بناء لقواعد جديدة للثورة وانعطاف قوي للالتحام بجماهير امتنا العربية العظيمة. وانننا نحن ندرك ادراكاً كاملاً، لجميع ابعاد الصراع في المنطقة، الصراع الحضاري ضد الوحش الصهيوني - الامريكي، فاننا نعرف ان بيروت ليست اخر المعارك العربية ولكنها كانت ملحمة العرب الرئيسية بل كانت اسطورة الصمود والتحدي في مواجهة هذا الطاغوت الامبريالي - الصهيوني الذي يحاول ان يعلق المنطقة كلها في مخالبه وبين انيابه.

ولقد ثبت انطلاقاً من هذه المعطيات ان معارك لبنان وملحمة بيروت مركز الدائرة على ارضية الجماهير وارادتها، ووعيها للتاريخ العربي المعاصر سياسياً وفكرياً وعسكرياً. ومن هذا يمكننا ان نرى بكامل وعينا وادراكنا هذه المعارك المستمرة وعلى اكثر من جبهة فالمعارك سجال بكل قسوتها وهمجيتها وبطولاتها ونتائجها. وعلينا ان نكون مستعدين دوماً لها، ولمواجهتها بكل الظروف، وفي كل الاوقات.

وبقدر ما كانت بيروت عميقة في نتائجها، برغم الزيف والاوهام في المنطقة بقدر ما كانت رائعة في تجسيد هذا التلاحم الثوري الخلاق، بين الابطال في القوات المشتركة بين المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية ومعها من حوصر من قوات الردع العربية راسمة بذلك خطاً واضحاً لمجمل المسيرة الجماهيرية العربية، وانطلقت من كبد هذه الجماهير الحقيقية الساطعة ليتعانق الاحرار والشرفاء في امتنا العربية يصبون جهودهم المتفجرة ينابيعها حماساً والمتدفقة اعجازاً ثورياً فريداً هو نسيج وحدة. فمن انطلاق اليمن باشطاره الثلاثة، جنوبه، وشماله، وفلسطينيه، إلى حقيقة التآخي بين جبال الاوراس وجبال النار، ومن مشاعر المحبة تهزج من جماهير السودان مع النيل الهادر لتصب وتلتقي مع طوفان الجماهير وحماسها ووعيها وارادتها على ارض الكنانة الحبيبة وشعبها العريق، تتقابل مع الجماهير الواعية على ضفتي الاردن، وضفاف دجلة والفرات، تتلاقى وتتعانق معها جميعها، هذه الجموع الملتفة حول قبر صلاح الدين، وخالد بن الوليدـ لتجمع معها هذا الطوفان البشري من ارض تونس الخضراء إلى الجزيرة العربية.

اليس هذا هو المعنى الحقيقي والتجسيد الواقعي للبركان الذي فجرته بيروت في المنطقة. والذي لن تتوقف امواج زلزاله الا عند ابواب بيت المقدس، حيث ترتفع عليه رايات امتنا عالية خفاقة شاء الطغاة ام ابوا، رضي المستعمرون الصهاينة ام لم يرضوا، هذه ارادة الله التي يجسدها هذا الايمان في قلب هذه الامة، فإن لله جنوداً اذا ارادوا وهذه الامة العربية لا تنقصها المال ولا ينقصها السلاح، ولا ينقصها الرجال، ولا تنقصها الامكانيات، ولا تنقصها التوازنات الاستراتيجية، وغير الاستراتيجية، ينقصها شيء واحد، ينقصها القرار السياسي بالقتال بالقتال بالقتال، وهذا قرار لا يمكن ان تأخذه الا الفئة الواعية المصممة القادرة على التحدي ومواجهة الخطوب، والتي نذرت نفسها الله وللوطن وللامة وللقضية، بهذا انتصر الاولون وبهذا صمدت بيروت وبهذا سنحرر ارضنا المحتلة، وقدسنا الشريف

وليكن واضحاً وضوحاً كاملاً، ودقيقاً ان لا حل، ولا سلام، ولا استقرار في هذه المنطقة بالقفز على حقوق الامة العربية وقضيتها المركزية قضية شعب فلسطين وحقوقه، بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير واقامة دولته المستقلة عاصمتها القدس بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي كرست حربنا الوطنية شرعيتها العربية والدولية.
 

يا ثوارنا البواسل، 
يا رافعي غار النصر،
يا جماهير امتنا العربية من محيطها إلى خليجها، 
ان العرب الباحثين عن السلام لن يجدوه إلا عبر القوة والارادة العربية الواحدة الموحدة فالسلام العادل هو سلام الاقوياء وليس سلام الضعفاء والركع. فسلام الضعفاء هو الاستسلام وما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة وان هذه الفئة المجاهدة في الثورة الفلسطينية في داخل ارضنا المحتلة وخارجها وهي تزداد كل يوم التحاماً ووحدة وثباتاً وتلاحماً ثورياً خلاقاً، بين اطفال الار. بي. جي. في الرشيدية، وعين الحلوة، وبيروت، مع ابطالنا داخل ارضنا المحتلة، اطفال ثورة الحجارة، حجارة بلادنا المقدسة يتحدون بها الدبابات وجنازيرها والآلة العسكرية الاسرائيلية - الامريكية وجبروتها.

هذه الفئة المؤمنة المجاهدة داخل وخارج ارضنا المحتلة، ستظل تقاوم وتقاتل الاستسلام ومنطق الركوع والانهزام ودعاة الاستسلام والمستترين بالشعارات البراقة، او المخفية وجوههم خلف الاقنعة، ولكننا سنظل بالرغم من كل الصعاب والتحديات حريصين على اقامة السلام القائم على العدل والشرعية الدولية القائم على تحقيق الحقوق الشرعية لشعبنا وحقه في ان يحيا حراً مجيداً فوق ارضه المحررة.

بهذا الوضوح وهذه الرؤيا الصادقة وقف شعبنا كل شعبنا ملتفاً حول ثورته، يعطيها ويحميها ويحنو عليها بكل الوفاء والمحبة يذود عنها وتذود عنه لتستمر الشعلة المقدسة وهاجة ولتبقى المسيرة قوية منيعة وليجسد هذا الشعب الاصيل وهو عنفوان التضحية والعطاء رمزاً من الرموز الحية في تاريخ الامم.

ولهذا كله استطاعت الثورة ان تصون قرارها العسكري والسياسي وان تحميه لان قرار المناضلين المجاهدين قرار البنادق التي صمدت في بيروت قرار الموقف السياسي الصادق الذي رسخته ملحمة الصمود في بيروت واخافهم منطق المعادلات وسقطوا في لعبة التوازنات وتاهوا في الحسابات، وهذا القرار الوطني سيظل قراراً مستقلاً مهما كان الثمن وهو ملك لهذه الجماهير في شعبنا وامتنا العربية، حتى لا تصبح فلسطين قميص عثمان لاحد، ولا رقماً في جيب الكبار او الصغار لانها ضمير هذه الامة وعقلها ونبضها.  هذه الحقبة التاريخية في هذا الزمن العربي الصعب الذي شاء القدر ان يتحمل الثوار في ثورتنا الفلسطينية خلال هذا الزمن العربي مسؤولية تاريخية جسيمة لتجميع الطاقات ورص الصفوف وتكثيف الجهود العربية كلها في مواجهة الاخطار الداهمة علينا جميعاً الداخلية منها والخارجية وفي مواجهة التحديات المصيرية المفروضة علينا.

ولقد اتخذ ثوارنا قرارهم التاريخي بالقيام بهذا الدور القومي لاعادة التضامن وتكثيف الجهود وتمتين الملحمة واعادة بناء الجبهة العربية الواحدة الموحدة لمواجهة المصير الواحد المشترك، وحتى لا تقع امتنا العربية ضحية لمؤامرة سايكس-بيكو جديدة تجري اتفاقياتها والتي تورط بها البعض خلسة بين اطراف عدة تتكالب علينا. ومن هنا فان الولاء لفلسطين كقضية عربية مركزية هو المقياس الجماهيري الحقيقي في امتنا العربية الهام.
 

والولاء لفلسطين ليس من منطلق اقليمي ولكنه العقيدة القومية النضالية في هذه الحقبة من تاريخنا العربي المعاصر، ولهذا الولاء على الساحة الفلسطينية نفتح صدورنا وعقولنا، في ظل واحتنا الديمقراطية التي نفاخر بها، هذه الديمقراطية التي نصونها بوحدتنا وتلاحمنا ولكن الثوار والاحرار لن يقبلوا أي بحث في هذا الولاء لفلسطين لان فلسطين هي قدس الاقداس في هذه المسيرة الثورية النضالية.

ان وحدتنا الوطنية الفلسطينية داخل وخارج ارضنا للثوار كل الثوار للمناضلين هي الدرع الذي يدرأ عن ساحتنا هذه الهجمات الشرسة سواء اتت من الاعداء او من بعض الاقرباء. انها الصخرة التي تتحطم عليها المؤامرات في مسيرتنا الثورية الشاقة. انها الوحدة التي صنعتها الدماء الزكية المناضلة الوحدة، التي تتسع لكل المناضلين الثوريين وتضيق لترفض كل الذين باعوا انفسهم وقراراهم لغير ارادة شعبنا وامتنا العربية. فمزيداً من هذه الوحدة الوطنية على ارضنا الديمقراطية الصلبة مزيداً من الالتحام الثوري وايادينا قابضة على بنادقنا بقوة وقناعة وايمان. مزيدا من التراص في صفوفنا المكافحة على كافة جبهات النضال ولنعزز هذه الوحدة التي هي الدرع الذي حمى استمرارية المسيرة دوماً قبل وبعد معركة بيروت ثم كانت معجزتنا الثورية الثانية بعد الاسطورة - الملحمة في بيروت. هذه القدرة الفذة التي مكنتنا من الانطلاق بهذه القوة وبهذه السرعة في اعادة تنظيم الركب بعد ان آلمنا ما آلمنا. ولكنه الايمان صانع المعجزات ولكنه الايمان والارادة التي تشق طريقنا بهذا العنفوان الثوري.

ويكفي ان نذكر ان هذا التلاحم، وهذا التنظيم والبناء الذي كان شاملاً لجماهيرنا داخل وخارج الوطن المحتل، ولم يكن هذا بسبب قدرة الثوار في هذه المسيرة، ولكنه اعجاز لجماهيرنا واصالتها ووفائها لحركة التاريخ وقدرتها على استيعاب حركة المتغيرات وغيرتها وحرصها على وليدها الثوري في هذا الجحيم الملتهب.

فبوركت يا شعبنا المعطاء البطل وبوركت السواعد الثورية التي تصنع المجد، وبوركت العزائم التي تكتب التاريخ، وبوركت امتنا العربية قواعد وجماهير واحراراً وشرفاء.
 

يا ثوارنا البواسل، 
يا جماهيرنا الوفية المناضلة المثابرة،
إن شعبنا وهو يتعامل مع كل المعطيات من حقه ان يتوجه إلى الضمير العالمي والى الاحرار والشرفاء في العالم اجمع، إلى جميع اصدقائه وحلفائه وحتى إلى جميع اليهود في داخل اسرائيل وخارجها وفي امريكا واوروبا شرقها وغربها. من حق شعبنا ان يتساءل هل يمكن للسلام العادل ان يتحقق على ارض فلسطين وفي منطقتنا عبر المجازر التي بدأت في دير ياسين، وقام بها هؤلاء الارهابييون في العصابة العسكرية الفاشية الاسرائيلية لتصل إلى ما وصلت اليه عبر المجازر والمذابح في لبنان وبيروت، وفي صبرا وشاتيلا؟ من حق شعبنا ان يتساءل: هل يقوم سلام على جثث اطفالنا ونسائنا او هل يمر حل على حساب شعبنا؟ من حق شعبنا ان يتوجه بسؤاله إلى شعوب العالم قاطبة بما في ذلك شعوب الدول التي ما زالت حكوماتها تنكر الشرعية الدولية وتنكر ابسط حقوق الانسان الفلسطيني في تقرير مصيره، وهو الحق المقدس الكل الشعوب. ومن حق شعبنا ان يتساءل: هل هناك بعد كل الذي حدث ما يبرر الجمود والتردد في مواجهة الحقيقة التي تقول ان الشعب الفلسطيني هو ضحية الارهاب الرسمي المنظم، وان الواجب الانساني، والاخلاقي، والحضاري، يلزم هذه الشعوب واحزابها وهيئاتها وجمعياتها وحكوماتها بان تؤازر شعب فلسطين للحصول على حقوقه الوطنية والمعترف بها على الصعيد الدولي وفي الامم المتحدة؟

ان هذا هو نداء شعبنا في هذا العام لكل شعوب العالم واحراره وشرفائه وتحياتنا إلى جميع حركات التحرر والتحرير الوطني في العالم والى كل الشعوب والدول الصديقة التي وقفت وتقف معنا، الدول الصديقة في حركة عدم الانحياز والدول الاسلامية والافريقية والاشتراكية والدول الاخرى الصديقة.
 

يا شعبنا المناضل الصامد البطل،
يا ثوارنا البواسل،
الفجر آت آت ودولتنا الفلسطينية المستقلة قادمة مهما كانت العقبات والصعاب وهي ليست منّة او منحة من احد فالطريق اليها قد عبق بأريج الشهداء وتضحيات الشعب وعطاء الجماهير، لتكون دولتنا هذه دولة التلاحم مع كل العرب، وخاصة تلك الوحدة القائمة مع شعبنا الاردني الشجاع.
 

بسم الله الرحمن الرحيم
 (وان تستفتحوا فقد جاءكم الفتج)
صدق الله العظيم

هذا العام يا اخوتي ويا احبتي هو عام الانتصار على نتائج العدوان. بعد ان صمدنا وانتصرنا على العدوان فلننطلق بعامنا هذا وكلنا ثقة وايمان نصنع الغد المشرق لننطلق في عامنا هذا عام الجمرات جمرات النور والنار والامل.

بسم الله الرحمن الرحيم
(وما جعله الله الا بشرى، ولتطمئن به قلوبكم، وما النصر الا من عند الله، ان الله عزيز حكيم)
صدق الله العظيم

لكم المجد لكم المجد يا شهداءنا الابرار!
لكم التحية والمجد، ايها المعتقلون والاسرى في سجون ومعتقلات العدو!
وطوبى للسواعد الثائرة، صانعة الانتصارات والملاحم، والبطولات!
وطوبى للجماهير المناضلة في شعبنا وامتنا العظيمة!

 

وانها لثورة حتى النصر.


اخوكم: ابو عمار
1/1/1983