كلمة د. ناصر القدوة في الذكرى السادسة عشرة لاستشهاد القائد المؤسس (2020/11/10)

2020-11-10


دولةَ رئيسِ الوزراءْ محمد اشتية
السيداتُ والسادةُ القياداتُ الفلسطينيةُ
السيداتُ والسادةُ والأصدقاءُ المشاركين والمشاهدين عبرَ شاشة ِتلفزيونْ فِلسطينْ وشاشاتِ التلفزيونْ الأُخرى وعبرَ تطبيقاتِ التواصل.

أحييكم وأرحبُ بكم وأنقلُ لكمْ تحياتِ السيدِ الرئيسِ محمود عباس، الرئيسِ الفخريِ للمؤسسة، وتحياتِ كافةِ أعضاءِ مجلسيْ أمنائِها وإدارتِها، ونحنُ نلتقي في فعاليةِ إحياءِ الذكرى السادِسةِ عشرةَ لرحيلِ القائدِ المؤسسِ، ياسر عرفات. نلتقي بشكلٍ يحملُ سلبياتِ اللقاءِ غيرِ المباشرِ وغيرِ الحميمِ، ولكنَّهُ يحملُ إيجابياتِ توسيعِ اللقاءِ ومشاركةِ إخوتِنا وأحبائِنا خارجَ الوطنِ المحتلِ. 


السببُ في كلِّ ذلكَ بالطبعِ هو وباءُ كورونا المستجدُ الذي عاثَ في الأرضِ فساداً، وسبَّبَ لأهلِنا هنا في فِلسطين الكثيرَ منَ المتاعبِ والمشاكلِ الصحيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ، وسبَّبَ لشعوبِ العالمِ خسائرَ بشريةٍ كبيرةٍ وانهياراتٍ اقتصاديةٍ وتغيير اًلنمطِ الحياةْ. نثقُ بأنَّ الإنسانيةَ ستتمكنُ من هزيمةِ الفيروسْ، ولكنِّ الأملَ أنَّ شعوبَ العالمِ ستتعلمُ فعلاً منَ التجربةِ المرةِ، وستبني مستقبلاً أفضلَ، أقلُ  ما فيه مزيدٌ منَ العدالةِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ وتحصينِ بيئةِ عالَمِنا الواحدْ.

نلتقي وإسرائيلُ تتموضعُ سلباً وخطراً، ليسَ فقطْ فيما يتعلقُ بكورونا المستجدْ، حيث تبدو أنّها لم تتعلمْ شيئاً، ولكنْ أيضاً بهجومِها المتصاعدِ على الشعبِ الفلسطينيِ وعلى المِنطقةِ، بانتِقالِها إلى مستوىً جديدٍ من الإجرامِ و اللامسوؤلية، بإصرارِها على محاولةِ الاستيلاءِ على كلِّ الأرضِ وإنكارِ الحقوقِ الوطنيةِ لشعبِنا، وإصرارِها كذلكَ على التوسعِ في المِنطقةِ جغرافياً،واقتصادياً وأمنياً، ولَعبِ دورِ القوةِ المهيمنةِ عليها. 


ولكي تنجحَ إسرائيلُ في ذلكَ  فهي لا تكتفي بقهرِ الإرادةِ وتدميرِ القُدراتِ الفلسطينيَّةِ والعربيَّةِ، ولكنَّها تعملُ على تخريبِ الوعيِ؛ الوعيِ الفلسطينيِ أولاً، ثم الوعيِ في بعضِ الأماكنِ الأضعفِ في المِنطقةِ العربيةِ. إنَّ تخريبَ الوعيِ الفلسطينيِ الذي نراهُ كلَّ يومٍ، يأتي عَبْرَ تخريبِ الوطنيةِ الفلسطينيةِ وما ينبعُ عنها منَ التمسكِ بالانتماءِ الوطنيِ وبالحقوقِ الوطنيةِ وبالدولةِ الوطنيَّةِ، وهو يأتي أيضاً عَبْرَ تخريبِ الانتماءِ العربيِ وما ينبعُ عنهُ منَ العلاقةِ الخاصةِ التي تربطُ القضيةَ الفلسطينيةَ بالأمّةِ العربيةِ، والرافعةِ التي تشكِلُها الأمةُ لهذهِ القضيةِ.

 وتمارسُ إسرائيلُ هذا الجزءَ منْ تخريبِ الوعيِ على بعضِ العربِ وتُشَّغلُ الذبابَ الالكترونيَ وغيرَهُ، وتروجُ ومعها الإدارةُ الأميركية لفكرةِ توفيرِ الحمايةِ لبعضِ العربِ ضِدَّ تهديداتٍ أخرى، مِثْلَ إيران، ولفكرةِ أنَّها ستوفرُ علاقاتٍ اقتصاديةٍ متوازنةٍ ومفيدةٍ لجميعِ الأطرافِ، إضافةً بالطبعِ للخدماتِ الأخرى في واشنطنْ وغيرِها. 

يمكنُ لنا أنْ نفهمَ كلَّ ذلكَ. لكنَّ الألمَ الحقيقيَ يبدأُ عندما نرى بعضَ الفلسطينيينَ، قِلَّةٌ ولله الحمدُ، يساهمونَ في تخريبِ الوعيِ إلى درجةِ الدَعوةِ للاستسلامِ وقبولِ إسرائيلَ الكبرى، وإنْ كانَ تحتَ عناوينَ غيرِ مباشرةٍ، مِثلِ العملِ على نيلِ الحقوقِ المتكافئةِ، والدعوةُ لدولةٍ واحدةٍ.ويبدأُ الأَلمُ عندما نرى بعضَ العربِ لا يكتفونَ بتنفيذِ رغباتِ الحاكمِ بلّْ يتخلونَ عن عروبَتِهم ودينِهم. ينسونَ أمهاتِهم ويُظهرونَ الحماسةَ والفرحَ والسعادةَ لعلاقاتِهم المستجدةِ معَ المحتلِ الإسرائيليِ البشعِ. 

علينا مواجهةُ كلِّ ذلكَ، وهوَ ممكنٌ، ويمكِنُنا الانتصارُ إذا أحسَنّا تشخيصَ المشكلةِ ووضعَ الحلولِ اللازمةِ لها، وفي الحقيقةِ يجبُ أنْ تكونَ هذهِ حلولاً جذريةً غيرَ تلكَ التي استمعنا لها مِراراً. وفي سياقِ عملِنا هذا يمكنُ لنا بلّْ يجبُ علينا أنْ نستفيدَ منْ إرثِ ياسر عرفات وتجربتِه، لَعَلها تُساعِدُنا في التَّوصلِ إلى بعضِ تلكَ الحلولِ.

قبلَ أنْ أتحدثَ عن بعضِ جوانبِ أوضاعِنا الصعبةِ وعلاقاتِنا العربيةِ، أودُ أولاً أنْ أَتقَدمَ باعتذارٍ عميقٍ للقائدِ المؤسسِ، لروحِهِ الطاهرةِ ولإرثهِ الكبيرِ بسببِ محاولاتِ الزجِ باسمهِ في الفترةِ الأخيرةِ لتحقيقِ مكاسبَ شخصيةٍ ضيقةٍ على ما يبدو. أو استخدامِ الاسمِ لتسويقِ مواقفَ لا يُجمعُ عليها، بلّْ وحتى لا يقبلُها شعبُنا. وكأنَّ هذا ليسَ سيئاً بما يكفي ليتنطعَ نكرةٌ هنا أو هناكَ للردِ،  مرةً باسمِ عائلةٍ، ومرةً باسمِ تنظيمٍ سياسيٍ عظيمٍ،  ودائماً دونَ أنْ ندريَ مَنْ وكيفْ؟


 بلا شَكٍّ، سببَ لنا كُلُّ ذلكَ ألماً عظيماً، ومَثَّلَ مَساً بأحدِ قواعدِنا الثابتةِ: لا أحدَ ، لا أحدَ ، لا أرملةَ ولا ابنَ شقيقةٍ أو شقيقٍ، ولا متسكعَ على أحدِ أرصفةِ مدينةِ غزةَ أو غيرِها منَ المدنِ يملكُ حقَّ استخدامَ الاسمِ أو الإرثِ في غيرِ تعزيزِ ذِكراهْ، وبما يحققُ مصالِحَنا الوطنيةَ المُجمعِ عليها. أُعذرنا يا (أبا عمار)، سامِحنا على قصورنِا وحتى على سخافاتِنا، وأعذرنا يا شعبَنا العظيمْ. سنعملُ على عدمِ تِكرارِ ذلكَ.

السيداتُ والسادةُ
ما هيَ إذاً مَهمَّاتُنا الآنْ؟ إليكم بعضاً مِنها مِما أراهُ مُلِحَاً: العملُ أولاً على مواجهةِ تخريبِ الوعيِ، خاصةً المحافظةُ على الهويةِ الوطنيةِ والتمسكُ بالهدفِ الوطنيِ المركزيِ مَعَ بعضِ حَبْكِ الصياغةِ بحيثُ يصبحُ الهدفَ إنجازُ الاستقلالِ الوطنيِ في دولةِ فلسطينَ القائمةِ، وإنْ كانتْ تحتَ الاحتلالِ على حدودِ ألفٍ وتِسعمائةٍ وسبعٍ وستينْ وعاصِمَتُها القدس. هذهِ نقطةُ البدايةِ التي لا بدَّ منها لأيِّ شيءٍ. ثُمَّ علينا استعادةُ الوَحدةِ الوطنيةِ،جغرافياً وسياسياً. والجهودُ المبذولةُ مرحبٌ بها، والتنسيقُ المَيدانيُ في مواجهةِ الضمِ والتطبيعِ مرحبٌ به.
 لكنْ لا مجالَ لتفادي المهامِ الصعبةِ اللازِمَةِ لتحقيقِ الوَحدةِ. لا مجالَ لحلولٍ جزئيةٍ. لا مجالَ لتفادي كلماتٍ ثلاثْ: غزة، الشَراكة، البرنامَج. أيْ إنهاءُ سيطرةِ حماس غيرِ القانونيةِ والأحاديةِ على القطاعِ، والسماحُ بعودتِهِ للنظامِ السياسيِ والإداريِ الفلسطينيِ، والشراكةُ السياسيةُ الكاملةُ في السلطةِ وفي منظمةِ التحريرِ الفِلسطينيةِ، بما في ذلكَ الديمقراطيةُ والانتخاباتُ، والأساسُ السياسيُ البرامِجيُ وجوهرُهُ الهدفُ الوطنيُ المركزيُ. فَهمُ هذهِ الكلماتِ أو العناوينِ الثلاثةِ والعملُ الجادُ على تحقيقهِ هو طريقُ الوَحدةِ، وهو أمرٌ ممكنٌ وتنفيذهُ ليسَ مجردَ خيارٍ، فهو الطريقُ لاستعادةِ كلِّ شيءٍ غالٍ امتلكهُ شعبُنا.
ثمَ هناكَ إعادةُ بناءِ علاقاتِنا العربيةِ، خاصةً بعدَ تخلي بعضُ الحكوماتِ عنِ الفكرةِ الأساسيةِ في مبادرةِ السلامِ العربيةِ وقُبولِها بتتبيعِ نفسِها للمركزِ الإسرائيليِ المدعومِ أميركياً. ولكنَّ بناءَ علاقاتَنا العربيةِ يجبُ أنْ يكونَ أعمقَ وأوسعَ مما كانَ الأمرُ عليه. يجبُ أنْ يشملَ القوى السياسيةَ المختلفةَ، ومنظماتِ المجتمعِ المدنيِ والنقاباتِ والمثقفينَ، كما يجبُ أيضاً أنْ نحاولَ فهمَ مشاكلَ وصعوباتِ الكثيرِ منَ الدولِ العربيةِ،والتفاعلَ معها.


 جوهرُ الوعيِ هنا أنَّ قضيةَ فلسطينَ هي القضيةُ المركزيةُ للأمةِ العربيةِ، وأنَّ منْ يتخلى عنها يتخلى عنْ عروبَتِه. هؤلاءِ يخرجونَ منَ الإطارِ وليسَ نحنْ. نحنُ العربُ والعربُ نحنُ. والجامعةُ العربيةُ هي جامعةُ القضيةِ الفلسطينيةِ، ومنْ لا يريدُها ليخرجَ منها. أمّا نحنُ فباقونَ. باقونَ فيها، وما نحتاجُهُ الآنَ هو إستراتيجيةُ عملٍ لتقليصِ الخسائرِ والمحافظةِ على العملِ العربيِ المشتركِ حولَ قضيةِ فلسطينْ. هذا ليسَ سهلاً ولكنّهُ ليسَ مستحيلاً وعلينا إنجازُهُ.

لنْ أستطيعَ الاستمرارَ في حديثِ الهَمِّ الوطنيِ العامِ، ومِنه أمورٌ هامةٌ أخرى مِثلُ محاربةِ الاستعمارِ الاستيطانيِ الإسرائيليِ لبلادِنا ومثلُ الدمقرطةِ الداخليةِ بسببِ ضيقِ وقتِكمْ.أشيرُ فقطْ إلى الانتخاباتِ الأميركيةِ الأخيرةِ، وما ظهرَ أنَّهُ رحيلٌ غيرُ مأسوفٍ عليه لإدارة ترامب. لننبهَ إلى ما يمكنُ أن تسببهُ هذه الإدارةُ من متاعب خلال الفترة الفاصلة. أو إلى أن الإدارةَ البديلةَ لنْ تشكلَ حلاً سحرياً لمشاكِلِنا. يبقى الأمرُ مناطاً بنا وبقدرتِنا على الفعلِ والتأثيرِ. أُشيرُ أيضاً إلى أنَّ هذا الرحيلَ يجبُ أنْ يشجعَ رحيلَ حلفاءِ ترامب وأشباهِهِ المحليين مِثلِ نتنياهو وبولسنارو وأوربان. العالمُ سيكونُ أفضلَ بدونِ هؤلاءِ.
أخيرا لا بد لي من التعاملِ معَ نقطةٍ أساسيةٍ أثارَتْها عريفةُ الحفلِ حولَ اغتيالِ الرئيسِ المنتخبِ للشعبِ الفلسطينيِ. لقد قُلنا مِراراً في مؤسسةِ ياسر عرفات، وأكررُ الآنَّ أنَّ وفاةَ ياسر عرفات لم تكنْ وفاةً طبيعيةً، وأنَّهُ ماتَ مسموماً على الأرجحِ، وعرِفنا لاحقاً أنَّ السُمَّ هو البولونيوم 210، وقلنا أنَّ إسرائيلَ هي منْ ارتكبتْ هذه الجريمةَ، وأنَّ علينا إبقاءَ هذا الملفِ مفتوحاً لحينِ معاقبةِ المجرمين.


رحمَ اللهُ ياسر عرفات. رحمَ اللهُ قادَتَنا العِظامَ أبا جهاد وأبا إياد وكلَّ قادَتِنا. رحمَ اللهُ شهداءَنا جميعاً.المجدُ للشهداءْ والحريةُ للأسرى البواسلْ والشفاءُ للجرحى.
 وشكرا لكم.